قال عليّ عليهالسلام : يا أخا اليهود ، فمكثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين ، فلمّا أراد الله أن يحييهم أمر إسرافيل أن ينفخ فيهم الروح ، فنفخ ، فقاموا من رقدتهم ، فلمّا بزغت الشمس قال بعضهم : قد غفلنا في هذه الليلة عن عبادة إله السماء ، فقاموا فإذا العين قد غارت ، وإذا الأشجار قد يبست ، فقال بعضهم : إنّ أمورنا لعجب مثل تلك العين الغزيرة قد غارت والأشجار قد يبست في ليلة واحدة ، ومسّهم الجوع فقالوا : ابعثوا بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيّها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطّف ولا يشعرنّ بكم أحدا (١).
قال تمليخا : لا يذهب في حوائجكم غيري ، ولكن ادفع أيّها الراعي ثيابك إليّ ، قال : فدفع الراعي ثيابه ومضى يؤمّ (٢) المدينة ، فجعل يرى مواضعا لا يعرفها وطريقا هو ينكرها حتّى أتى باب المدينة وإذا علم أخضر مكتوب عليه : لا إله إلّا الله ، عيسى رسول الله ، قال : فجعل ينظر إلى العلم وجعل يمسح به عينيه ، ويقول : أراني نائما ، ثمّ دخل المدينة حتّى أتى السوق ، فأتى رجلا خبّازا فقال : أيّها الخبّاز ، ما اسم مدينتكم هذه؟
قال : أقسوس ، قال : وما اسم ملككم؟ قال : عبد الرحمن ، قال : ادفع إليّ بهذه الورق طعاما ، فجعل الخبّاز يتعجّب من ثقل الدراهم ومن كبرها.
قال : فوثب اليهوديّ وقال : يا عليّ وما كان وزن كلّ درهم منها؟ قال : وزن كلّ درهم عشرة دراهم وثلثا درهم.
فقال الخبّاز : يا هذا ، أنت أصبت كنزا؟ فقال تمليخا : ما هذا إلّا ثمن تمر بعتها منذ ثلاث وخرجت من هذه المدينة ، وتركت الناس يعبدون دقيوس الملك.
قال : فأخذ الخبّاز بيد تمليخا وأدخله على الملك ، فقال : ما شأن هذا الفتى؟
__________________
(١) اقتباس من الآية ١٩ من سورة الكهف.
(٢) أي : يقصد.