التفكّر (١) ، حديد البصر (٢) ، لم ينم نهارا قطّ ، ولم ينم في محفل قوم قطّ ، ولم يثقل في مجلس قطّ ، ولم يعب أحدا بشيء قطّ ، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط قطّ ، ولا اغتسال ، لشدّة تستّره وعمق نظره وتحفّظ لذنوبه.
ولم يضحك من شيء قطّ ، ولم يغضب قطّ مخافة الإثم في دينه ، ولم يمازح إنسانا قطّ ، ولم يفرح لشيء (٣) أوتيه من (٤) الدنيا ، ولا حزن على ما فاته منها قطّ.
وقد نكح النساء وولد له الأولاد الكثيرة وقدّم أكثرهم إفراطا له (٥) ، فما بكى عند موت واحد منهم ، ولم يمرّ برجلين يختصمان أو يقتتلان إلّا أصلح بينهما ، ولم يسمع قولا من أحد استحسنه إلّا سأل عن تفسيره وخبره عمّن أخذه.
وكان يكثر مجالسة الحكماء (٦) والاختلاف إلى أهلها ، ويتواضع لهم ويغشي القضاة (٧) والملوك والسلاطين ، فيرثي للقضاة بما ابتلوا به ، ويرحم الملوك والسلاطين لعدّتهم واغترارهم بالله وطمأنينتهم (٨) إلى الدنيا وميلهم إليها وإلى زهرتها ، فيتفكّر في ذلك ويعتبر به ويتسلّم ما فعلت (٩) به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان ، وكان (١٠) يداري نفسه بالعبر وكان لا يظعن إلّا فيما ينفعه ،
__________________
(١) في «ر» والبحار والمستدرك : (الفكر).
(٢) في البحار والمستدرك : (النظر).
(٣) في «ر» «س» وتفسير القمّيّ : (بشيء).
(٤) في «ر» «س» زيادة : (أمور) ، وفي البحار زيادة : (أمر).
(٥) قوله : (له) ليس في «س» والبحار ، قال في المصباح المنير : ٤٦٩ وأفرط فلان فرطا إذا مات له أولاد صغار ، وانظر : النهاية ٣ : ٤٣٤.
(٦) في «ر» «س» : (مجالس الحكماء) ، وفي البحار : (مجالسة الفقهاء والحكماء).
(٧) في «ر» «س» : (يخشى القضاء).
(٨) في البحار : (لغرّتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك) بدلا من : (لعدّتهم واغترارهم بالله وطمأنينتهم).
(٩) في البحار : (ويتعلّم ما يغلب).
(١٠) في «ر» «س» زيادة : (يداري بالتذكّر و) ، وفي البحار : (يداوي قلبه بالتفكّر و).