عليكم يا بني هاشم.
وحصّن الشعب ، وكان يحرسه بالليل والنهار ، فإذا جاء الليل يقوم بالسيف عليه ورسول الله صلىاللهعليهوآله مضطجع ، ثمّ يقيمه ويضجعه في موضع آخر ، فلا يزال الليل كلّه هكذا ، ويوكّل ولده وولد أخيه به يحرسونه بالنهار فأصابهم الجهد.
وكان من دخل مكّة من العرب لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئا ، ومن باع منهم (١) شيئا انتهبوا ماله ، وكان أبو جهل والعاص بن وائل السهميّ والنضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات التي تدخل مكّة ، فمن رأوه معه ميرة (٢) نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئا ، ويحذّرونه إن باع شيئا منهم انتهبوا ماله.
وكانت خديجة لها مال كثير وأنفقته على رسول الله صلىاللهعليهوآله في الشعب ، ولم يدخل في حلف الصحيفة مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد المطّلب بن عبد مناف ، وقال : هذا ظلم ، وختموا الصحيفة بأربعين خاتما كلّ رجل من رؤساء قريش بخاتمه ، وعلّقوها في الكعبة ، وتابعهم على ذلك أبو لهب.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يخرج في كلّ موسم ، فيدور على قبائل العرب ، فيقول لهم : تمنعون لي جانبي حتّى أتلو عليكم كتاب ربّكم وثوابكم الجنّة على الله ، وأبو لهب في أثره فيقول : لا تقبلوا منه ، فإنّه ابن أخي وهو كذّاب ساحر ، فلم يزل هذا حالهم.
وبقوا في الشعب أربع سنين لا يأمنون إلّا من موسم إلى موسم ، ولا يشترون ولا يبيعون إلّا في الموسم ، وكان يقوم بمكّة موسمان في كلّ سنة : موسم العمرة في رجب ، وموسم الحجّ في ذي الحجّة ، فكان إذا اجتمعت المواسم يخرج
__________________
(١) في «م» «ص» : (بني هاشم).
(٢) الميرة : جلب القوم الطعام للبيع (العين ٨ : ٢٩٥).