أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وأنّ جبرئيل كان يعرض عليّ القرآن كلّ سنة مرّة ، وقد عرض عليّ العام مرّتين ، ولا أراه إلّا لحضور أجلي.
ثمّ قال : إنّي خيّرت ـ يا عليّ ـ بين خزائن الدنيا والخلود فيها [أو الجنّة](١) ، فاخترت لقاء ربّي فإذا أنا متّ فغسّلني (٢) ، واستر عورتي فإنّه لا يراها أحد إلّا أكمه ، فمكث ثلاثة أيّام موعوكا (٣) ، ثمّ خرج إلى المسجد معصوب الرأس متّكئا على عليّ عليهالسلام بيمينه وعلى الفضل بن العبّاس باليد الأخرى ، فجلس على المنبر وخطب.
ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّه ليس بين الله وبين أحد شيء يعطيه به خيرا ويصرف عنه شرّا إلّا العمل [الصالح](٤). أيّها الناس ، لا يدّع مدّع ولا يتمنّ متمنّ ، والذي بعثني بالحقّ نبيّا لا ينجي إلّا عمل مع رحمة الله ولو عصيت لهويت.
ثمّ نزل ودخل بيته ، وكان في بيت أمّ سلمة ، فجاءت عائشة تسأله أن ينتقل إليها لتتولّى تعليله ، فأذن لها وانتقل إلى البيت الذي أسكنه عائشة ، فاستمرّ المرض به أيّاما وثقل ، فجاء بلال عند صلاة الصبح ، فنادى : الصلاة.
فقال : يصلّي بالناس بعضهم ، فقالت عائشة : مروا أبا بكر ، وقال حفصة : مروا عمر ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أكففن فإنّكنّ صويحبات يوسف ، ثمّ قال : وهو لا يستقل على الأرض من الضعف ، وقد كان عنده أنّهما خرجا إلى أسامة ، فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليهالسلام والفضل فاعتمدهما ورجلاه يخطّان الأرض من الضعف ، فلمّا خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب ، فأومأ بيده إليه ، فتأخّر
__________________
(١) ما بين المعقوفين من إعلام الورى ١ : ٢٦٤.
(٢) في «ر» «س» : (فغسّلني).
(٣) موعوكا أي محموما.
(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من إعلام الورى ١ : ٢٦٤.