بني إسرائيل خولا (١) ، فلبث سبع سنين ، ثمّ إنّه رأى رؤيا عظيما امتلأ منها رعبا ونسيها ، فجمع قومه وقال : تخبروني بتأويل رؤياي المنسيّة إلى ثلاثة أيّام وإلّا لأصلّبنّكم (٢) ، وبلغ دانيال ذلك من شأن الرؤيا وكان في السجن فقال لصاحب السجن : إنّك أحسنت صحبتي ، فهل لك أن تخبر الملك أنّ عندي علم رؤياه وتأويله؟ فخرج صاحب السجن ، وذكر لبخت نصّر فدعا به.
وكان لا يقف بين يديه أحد إلّا سجد له ، فلمّا طال قيام دانيال وهو لا يسجد له ، قال للحرس : اخرجوا واتركوه ، فخرجوا فقال : يا دانيال ، ما منعك أن تسجد لي؟ فقال : إنّ لي ربّا آتاني هذا العلم على أن لا أسجد لغيره ، فلو سجدت لك انسلخ عنّي العلم فلم ينتفع (٣) بي ، فتركت السجود نظرا إلى ذلك.
قال بخت نصّر : وفيت لإلهك فصرت آمنا منّي ، فهل لك علم بهذه الرؤيا؟ قال : نعم ، رأيت صنما عظيما رجلاه في الأرض ، ورأسه في السماء ، أعلاه من ذهب ، ووسطه من فضّة ، وأسفله من نحاس ، وساقاه من حديد ، ورجلاه من فخار ، فبينا أنت تنظر إليه وقد أعجبك حسنه وعظمه وإحكام صنعته والأصناف التي ركّب فيها ، إذ قذف (٤) بحجر من السماء ، فوقع على رأسه ، فدقّه حتّى طحنه فاختلط ذهبه وفضّته ونحاسه وحديده وفخاره ، حتّى خيّل لك أنّه لو اجتمع الجنّ والإنس على أن يميّزوا بعضه من بعض لم يقدروا ، وحتّى خيّل لك أنّه لو هبّت أدنى ريح لذرّته لشدّة ما انطحن ، ثمّ نظرت إلى الحجر الذي قذف به يعظم فينتشر (٥)
__________________
(١) الخول : مثل الخدم والحشم وزنا ومعنى (المصباح المنير : ١٨٥).
(٢) في «س» «ص» والبحار : (صلبتكم) بدلا من : (لاصلبنكم).
(٣) في «ص» : (تنتفع).
(٤) في «ر» : (تركب فيها إذ قذفه) ، وفي «ص» : (ركب فيها إذ قذفه) ، وفي البحار : (ركبت فيه إذ قذفه ملك) بدلا من : (ركب فيها ، إذ قذف).
(٥) في البحار : (فينتثر).