وبعبارة أُخرى : إذا كانت الرعيّة هي السبب لاختفائه فهي السبب لحرمانها من فيوضه وإرشاداته التي منها ، التعرّف بالأحكام ومعرفة صحيحها عن سقيمها ، فليس خفاء بعض التكاليف ، بأهمّ من سائر ألطافه ، فما هو المجوّز لحرمانهم منها ، هو المسوّغ له أيضاً ، وعلى هذا ، المصالح التي اقتضت غيبة الإمام وأوجبت حرمان الناس من الفيوض المعنوية ، هي التي اقتضت حرمان الناس عن معرفة الحكم الصحيح عن الباطل ، وليس هذا النوع من الحرمان بأعلى من سائر أقسامه.
الثاني : انّ المتمسكين باللطف يرون كفاية إظهار الخلاف ولو بلسان واحد من علماء العصر ، ولكن لسائل أن يسأل ويقول : أيّة فائدة تترتب على هداية واحد من أفراد الأُمّة وترك الجميع في التيه والضلالة ، ولو وجب اللطف لكان عليه هداية الجميع أو الأكثرين ، لا الفرد الشاذ النادر ، نعم لا يتلقى الجيل الآتي ذلك الاتّفاق إجماعاً لوجود المخالف وهذا ليس إلا لطفاً نسبياً ، لا مطلقاً؟
الثالث : انّ حال الغيبة لا يفترق حال الحضور ، فكما يجوز كتمان بعض الحقائق لخوف أو تقيّة أو غير ذلك من المصالح ، فهكذا يجوز حال الغيبة خصوصاً في المسائل التي لا تمسّ الحاجة إليها إلا نادراً.
وقد صرّح المرتضى في كتاب الشافي بذلك وقال : إنّ أمير المؤمنين عليهالسلام كان منذ قبض اللّه نبيّه في حال تقية ومداراة وانّه لما أفضى الأمر إليه لم تفارقه التقية. (١)
ومن هنا ظهر مدى صحّة كشف قول المعصوم بالإجماع ، ففي الإجماع التشرفي ، المتحقّق هو ذات المكشوف وهو قول المعصوم ، دون الكاشف ، وادعاء الإجماع غطاء عليه ، لئلا يكذب واستكشاف قوله عليهالسلام عن هذا الطريق يختص بالأوحدي من العلماء.
__________________
١. كشف القناع : ١٤٩ ، نقلاً عن الشافي.