فيها الأخبار المتواترة ولا المحفوفة بالقرائن ، وأنّ عمل المسلمين بخبر الثقة لم يكن إلا استلهاماً من السيرة العقلائية التي ارتكزت في نفوسهم.
والحاصل : أنّه لو كان العمل بأخبار الآحاد الثقات أمراً مرفوضاً عند الشرع ، لكان هناك الردع القارع والطرد الصارم حتى ينتبه الغافل ويفهم الجاهل.
ولأجل ذلك نرى أنّه وردت الأخبار المتضافرة حول ردّ القياس ، والرجوع إلى قضاة الجور ، وتقبل الولاية من الجائر لما جرت عليه سيرة العامة من العمل به والرجوع إلى قضاة الجور ، وتقبل الولاية من الجائرين ، وهي أقلّ ابتلاء ـ بمراتب ـ عن العمل بخبر الواحد ، وعلى ضوء هذا ، فهذه السيرة العقلائية حجّة ما لم يردع عنها.
السيرة والآيات الناهية عن الظن
لا شكّ انّ الاحتجاج بالسيرة فرع عدم الردع عنها شأن كلّ سيرة يستدل بها على حكم شرعي وربما يتصور انّ الآيات الماضية والروايات المانعة عن اتّباع غير العلم رادعة عنها وناهيك قوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (١) ، وقوله تعالى : ( وَإِنّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (٢).
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني أجاب عنه بوجوه ثلاثة :
١. انّها وردت إرشاداً إلى عدم كفاية الظن في أُصول الدين.
٢. المتيقن منها ، ما لم يقم على اعتباره حجّة.
٣. كونها رادعة ، مستلزمة للدور وذلك :
__________________
١. الإسراء : ٣٦.
٢. النجم : ٢٨.