انّ الرادعية تتوقف على عدم كون السيرة مخصصة أو مقيدة للآيات الناهية ، وإلافلا تكون رادعة ، وعدم كونها مخصصة أو غير مقيدة فرع كونها بعمومها أو إطلاقها رادعة للسيرة فيلزم توقف كونها رادعة ، على نفسها.
ثمّ إنّه قدسسره أورد على نفسه بورود نفس الدور على اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضاً.
ولكن الظاهر انّ ما ذكره من الأجوبة الثلاثة تبعيد للمسافة ولا حاجة إليها بل النسبة بين الآيات والسيرة تباين ، فانّ المراد من الظن في الآيات هو الوهم والخيال والخرص والتخمين ، كتسمية الملائكة أُنثى ، وأين هذا من العمل بقول الثقة المخبر عن حس ، المتحرّز عن الكذب؟! فهو وإن كان ظنياً عقلاً ، لكنّه ليس داخلاً في الظن المنهى عنه في الآية ، كما أنّه وإن كان غير علمي في نظر المنطقيين ، لكنّه في نظر العرف اطمئنان وسكون قلب ، فهو لا يقصر عن العلم عندهم.
بقي هنا سؤال وهو انّ المحقّق الخراساني جعل رادعية الآيات للسيرة العملية في مورد خبر الواحد مستلزماً للدور ، مع أنّه صحح رادعية الآيات للسيرة المستمرة بين العقلاء بالعمل بالاستصحاب. قال : يكفي في الردع عن مثله بما دلّ من الكتاب والسنّة على النهي عن اتّباع غير العلم عن مثله من الكتاب والسنّة على النهي عن اتباع غير العلم. (١)
فيتوجه السؤال انّه ما الفرق بين المقامين؟
أضف إلى ذلك أمراً ثالثاً وهو انّه إذا فسر الظن في الآيات بما ذكرناه لا تصلح أن تكون رادعة للسيرة ، لأنّ الظنّ المنهي عنه غير الظن الحاصل من السيرة ، فهو في الأُولى بمعنى الخيال وفي الثانية بعض الاطمئنان.
__________________
١. الكفاية : ٢٨٠ ، مبحث الاستصحاب ، ط المشكيني.