الثاني : ليس الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في المأمور والمنهي عنها وإنّما هي تابعة لمصالح في نفس الأحكام.
وعلى ذلك فالصغرى أي الظن بالضرر الشخصي منتف ، ومعه كيف يُسْتَدلُّ بالكبرى؟!
فإن قلت : إنّ الضرر الشخصي وإن كان منتفياً عند الظن بالحكم ، لكن الظن بالمفسدة النوعية أو احتمالها ـ حسب ما ذكر ـ ليس منتفياً ، والعقل مستقل بقبح مظنون المفسدة النوعية أو محتملها أو مظنون المصلحة أو محتملها.
قلت : قد أشار إلى هذا السؤال والجواب عنه بقوله : « ولا استقلال للعقل بقبح ما فيه احتمال المفسدة ، أو ترك ما فيه احتمال المصلحة ... ».
وحاصل الجواب : انّ العقل إنّما يستقل في مجال المصالح والمفاسد النوعية في صورة العلم بهما دون الظن والاحتمال.
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ ما ذكره من تبعية الأحكام للمصالح النوعية ومفاسدها دون الشخصية ، ليس بتام ، إذ لا مانع من أن يكون في الحكم كلا الملاكين ، كما في شرب المسكر والقمار وأكل الميتة والدم وغير ذلك.
وثانياً : أنّ ما ذكره من أنّ الأحكام تابعة لهما في نفس الإنشاء دون المتعلّق ، غير تام أيضاً ، ولو صحّ ما ذكره فإنّما يصحّ في الأوامر الامتحانية دون غيرها ، ولو صحّ ما ذكره في عامة الأحكام لما وجب امتثالها ، بعد حصول الملاكات ، بالإنشاء.
وثالثاً : التفريق بين الضرر الشخصي المظنون والمحتمل والضرر النوعي كذلك بإيجاب دفع الأوّل دون الثاني عجيب جدّاً ، ولا يحكم بذلك إلا العقل المادي الذي يقدم نفسه ونفعه على كلّ شيء ، دون العقل الإلهي الذي يرى الناس سواسية ، فلو وجب دفع الضرر الشخصي في مجالي الظن والاحتمال ، يجب دفع الضرر النوعي أيضاً كذلك ، فالأولى الإجابة بأحد الوجهين على نحو المانعة