عَلَيْهِمْ آياتنا وَما كُنّا مِهْلِكي القُرى إِلاّ وَأَهْلُها ظالِمُون ). (١) ويدل على المقصود آيات أُخرى بهذا المضمون ، لاحظها. (٢)
وأمّا الاستدلال بهما على البراءة فمبني على أمرين :
الأوّل : انّ صيغة ( وَما كُنّا ) أو ( ما كان ) تستعمل في إحدى معنيين إمّا نفي الشأن والصلاحية لقوله تعالى : ( وَما كانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إيمانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَؤوفٌ رَحِيم ). (٣) أو نفي الإمكان كقوله تعالى : ( وَما كانَ لِنَفْس أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللّهِ كِتاباً مُؤجَّلاً ). (٤)
الثاني : انّ بعث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كناية عن إتمام الحجّة على الناس ، وبما انّ الرسول أفضل واسطة للبيان والإبلاغ أُنيط التعذيب بالرسول ، وإلا يصحّ العقاب ببعث غيره أيضاً لوحدة المناط وحصول الغاية المنشودة ؛ وعلى ضوء ذلك ، فلو لم يبعث الرسول بتاتاً ، أو بعث ولم يتوفق لبيان الأحكام أبداً ، أو توفق لبيان البعض دون البعض الآخر ، أو توفق للجميع لكن حالت الحواجز بينه وبين بعض الناس ، لقبح التكليف ، وذلك لاشتراك جميع الصور في عدم تمامية الحجّة.
والمكلّف الشاك في الشبهات التحريمية من مصاديق القسم الأخير ، فإذا لم يصل إليه البيان لا بالعنوان الأوّلي ولا بالعنوان الثانوي كإيجاب التوقف ينطبق عليه قوله سبحانه ( وَما كُنّا مُعذّبين حتّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) أي نبيّن الحكم والوظيفة.
ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه يعلّق إهلاك القرية على وجود المنذر ويقول :
__________________
١. القصص : ٥٩.
٢. الشعراء : ٢٠٨ ، طه : ١٣٤.
٣. البقرة : ١٤٣.
٤. آل عمران : ١٤٥.