موجود ، والمخالفة للواقع وإن كانت موجودة في المعذور ، لكن القيد الثاني ( بلا عذر ) منتف.
الرابع : ما نقله المحقّق النائيني في كلام مبسوط حاصله : انّ المناط في حكم العقل باستحقاق العقاب هو جهة البغض الفاعلي وحيثيّة صدور الفعل الذي يعلم بكونه مبغوضاً للمولى من دون دخل للواقع ، فانّ الإرادة الواقعية ممّا لا أثر لها عند العقل إلا بعد الوجود العلمي ، وهذا المعنى مشترك بين العاصي والمتجري.
وإن شئت قلت : إنّ المناط عند العقل في استحقاق العقاب هو البغض الفاعلي الناشئ عن العلم بالمخالفة والمعصية ، وهذا بعد ما كان العلم من باب الطاعة والمعصية موضوعاً عند العقل واضح. (١)
يلاحظ عليه بأمرين :
١. بعد تسليم كون مناط العقاب هو البغض الفاعلي ، انّ الملاك هو البغض الفاعلي المتولد من القبح الفعلي وهذا يختص بالمعصية ، وأمّا التجرّي ، فالقبح الفاعلي هناك متولد من سوء السريرة وخبث الباطن أو غلبة الهوى على العقل ، والشقاء على خلافه لا من القبح الفعلي.
٢. إنّ الهدف من إثبات قبح إرادة المعصية ، هو إثبات حرمته ليترتب عليه العقاب ، ولكن المحاولة فاشلة ، لأنّه ليس كلّ حسن ملازماً للحكم بالوجوب ، ولا كلّ قبيح ملازماً للحرمة ، إلا إذا تعلّق بمبادئ الأحكام وعللها وموضوعاتها كردّ الأمانة أو الخيانة بها ، فيكشف كلّ من الحسن والقبح عن وجوب الأوّل وحرمة الثاني ، وأمّا إذا تعلّق بمعاليل الأحكام كالطاعة والمعصية ، فانّ حسن الأوّل وقبح الثاني لا يكشفان عن حكم شرعي ، وإلا يلزم عدم انتهاء الأحكام إلى حدّ وتسلسل العقوبات ، وذلك لأنّ الطاعة والمعصية لا يتحقّقان إلا إذا سبق عليهما
__________________
١. الكاظمي : فوائد الأُصول : ٣ / ٤٨.