يجب عليه الاحتياط في سبيل تحصل أغراض المولى المحتمل ، ففي صورة الشكّ يحكم العقل بوجوب الاحتياط.
نعم هنا قاعدة عقلائية جرت عليها سيرتهم وهي عدم عقاب العبد العرفي إلا بعد بيان المولى ولولا بناء العقلاء على عدم العقاب بلا بيان وعدم إمضاء الشارع له ، لم يقبح العقاب بلا بيان ، والمؤاخذة بلا بيان ، فوقع الخلط بين الأحكام العقلائية والأحكام العقلية المبنية على الحسن والقبح.
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ مرجع إنكار القاعدة ، إلى أنّ احتمال التكليف منجّز للواقع عند العقل ، وإن لم يستوف المولى البيان الممكن ، والاعتماد في التعذيب والمؤاخذة على مثل هذا إنّما يصحّ إذا كان من الأحكام العقلية الواضحة. ومن المعلوم خلافها ، إذ لوكان حكماً واضحاً لما أنكره العلماء من غير فرق بين الأُصولي والأخباري ، وسيوافيك انّ النزاع بين الأخباري والأُصولي إنّما هو في الصغرى أي ورود البيان وعدمه لا في الكبرى.
وثانياً : إنّ اتّفاق العقلاء على قبح العقاب بلا بيان نابع عن حكم العقل بأنّ العبد إذا قام بوظيفته في الوقوف على مقاصد المولى ولم يجد بياناً بأحد العنوانين ، يُعدُّ العقاب بحكم وحي الفطرة أمراً قبيحاً وإلا يعود بناء العقلاء إلى أمر تعبدي وهو كما ترى.
وثالثاً : انّ الظاهر من الذكر الحكيم كون المسألة من الأُمور الفطرية حيث يستدل بها الوحي على الناس ويقول : ( وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (١) ، ويذكر في آية أُخرى انّه سبحانه أبطل ببعث الرسل ، حجّة الكفار والعصاة حيث قال : ( وَلَوْ أَنّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذاب مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى ). (٢)
__________________
١. الإسراء : ١٥.
٢. طه : ١٣٤.