جميع تلك المحرّمات الواقعية فيلزم الاجتناب عن كلّ ما يحتمل أن يكون منها إذا لم يكن دليل شرعي.
وقد أجاب عنه المحقّق الخراساني تبعاً للشيخ الأعظم وغيره. وحاصله : انّ هنا علمين :
١. العلم الإجمالي بوجود المحرمات في الشريعة الغرّاء.
٢. العلم التفصيلي بوجود محرّمات في الطرق والأُصول بمقدار التكاليف المعلومة أو أزيد.
فإذا أخذنا ما فيهما من المحرّمات وعزلناها عن موارد العلم الأوّل ، لم يبق فيما سواها ، علم بالتكليف بل غايته احتمال التكليف وهو مجرى البراءة.
وهذا نظير ما إذا علمنا بوجود خمس شياه مغصوبة في قطيع غنم ، ثمّ علمنا بوجود خمس شياه مغصوبة في الغنم السود منها ، ونحتمل انطباق المعلوم بالإجمال أوّلاً على المعلوم بالتفصيل أو الإجمال في العلم الثاني على وجه لو عزلنا الغنم السود عن القطيع لم يبق علم إجمالي بالمحرم فيها بل يكون احتماله.
ثمّ إنّ هنا إشكالين تعرض لهما المحقّق الخراساني ، والأولى بالدراسة هو الإشكال الأوّل ، وحاصله : انّ العلم الثاني بما انّه علم حادث ، وإن كان يوجب الانحلال ، لكنّه لا يزيل أثر العلم الإجمالي السابق ، كما إذا علم بنجاسة أحد الإناءين ، ثمّ علم تفصيلاً بنجاسة أحدهما معيّناً لأجل وقوع قطرة من الدم فيه ، ففي مثله يلزم الاجتناب عن الآخر أيضاً ، لأنّ العلم الإجمالي السابق وإن كان منحلاً ، لعدم التردد بعد العلم بنجاسة أحدهما بعينه ، لكنّ أثر العلم الإجمالي وهو وجوب الاجتناب عن الآخر باق ووجوب الاجتناب عن الإناء الآخر من آثار العلم الإجمالي السابق ، لا الموجود فعلاً حتى يقال قد انحلّ بالعلم التفصيلي ، ولذلك لو أهرق أحدهما ، كان لزوم الاجتناب عن الآخر باقياً بحاله.