يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره إنّما يتم بالنسبة إلى الحكم الواقعي ، لأنّ العلم الإجمالي في المقام لا يكون منجّزاً له. ولكن هنا احتمالاً آخر ، وهو احتمال لزوم التعبّد في الظاهر بأحد الحكمين تعييناً أو تخييراً ، كما اختاره بعضهم ، فالغاية من البراءة العقلية هو رفع هذا الاحتمال ، ببيان انّ لزوم الأخذ به احتمال لم يقم عليه دليل ، فالعقاب عليه ، عقاب بلا بيان ، وبذلك بان عدم الإشكال في جريان البراءة العقلية.
وقد أورد قدسسره أيضاً على القول بجريان البراءة الشرعية بأنّ مدركها هو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « رفع عن أُمّتي مالا يعلمون » والرفع فرع الوضع ، وفي موارد دوران الأمر بين المحذورين لا يمكن وضع الوجوب والحرمة كليهما ، لا على سبيل التعيين ـ لاستلزامه التكليـف بغير المقـدور ـ ولا على سبيـل التخيير ـ لكونـه تحصيلاً للحاصل ـ ومع عدم إمكان الوضع لا يعقل تعلّق الرفع ، فأدلّة البراءة الشرعية لا تعم المقام. (١)
يلاحظ عليه : أنّ الممتنع هو وضع كلّ في عرض الآخر ، وأمّا وضع كلّ واحد مستقلاً وحده ، بلا نظر إلى وضع الآخر وعدمه ، فأمر ممكن لا مانع من وضعه كما لا مانع من رفعه ، فيشير المكلّف إلى الوجوب وحده ، ويقول : إنّه مشكوك وغير معلوم ، فهو مرفوع ومثله الحرمة.
وبعبارة أُخرى : انّ المكلّف ينظر إلى الوجوب ويحتمل أن يكون هو الحكم الظاهري الذي يجب الأخذ به ، معيناً أو مخيراً ، فيرفع ذلك الاحتمال ، فيكون أثر الأصل العقلي أو الشرعي رفع لزوم التعبد بأحد الحكمين في الظاهر ، فلا قصور في شمول الدليل ، وأمّا مخالفة النتيجة للعلم الإجمالي بالإلزام ، فسنرجع إليه في المستقبل.
__________________
١. الفوائد : ٣ / ٤٤٨.