روى البرقي في المحاسن عن عبد اللّه بن سنان : سأل رجل أبا عبد اللّه عليهالسلام عن الجبن : فقال : « إنّ أكله ليعجبني » ثمّ دعا به فأكله. (١)
فالمجموع من حيث المجموع يرفع الإبهام عن الرواية الأُولى ، وهي أنّ صناعة الجبن من الميتة أوجد مشكلة في عصر الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام ، وقد حاولا إزالة الشكوك عن أذهان شيعتهم بجواز الانتفاع مالم يعرف الحرام بعينه.
وعلى ضوء ذلك يكون مورد الضابطة ، الشبهة المحصورة ، ويؤيد ذلك ما رواه أبو الجارود ، قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الجبن ، فقلت له : أخبرني من رأى أنّه يجعل فيه الميتة ، فقال : « أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين؟! إذا علمت أنّه ميتة فلا تأكله ، وإن لم تعلم فاشتر وبع وكل ، واللّه إنّي لاعترض السوق فأشتري بها اللحم والسمن والجبن ، واللّه ما أظن كلّهم يُسمُّون هذه البربر وهذه السودان ». (٢)
وعلى ما ذكرنا يكون المراد من « شيء » في قوله : « كل شيء » هو الشيء المنتشر في الخارج ، المتكثّر أفراده ومصاديقه ، فمثله حلال إلى أن يعرف الحرام منه بشخصه.
وبهذا ثبت انّه لم يثبت أيّ ترخيص في أطراف العلم الإجمالي من الشبهة التحريمية. بقي هنا أمران :
الأوّل : انّ البحث في جعل الترخيص في أطراف العلم الإجمالي إنّما هو إذا كان لدليل التحريم إطلاق يعمّ الصورتين التفصيلية والإجمالية وأمّا إذا لم يك للدليل إطلاق فلا موضوع للبحث ، فيجري الأصل بلا معارض ، وعندئذ يطرح في مورد البحث السؤال التالي :
__________________
١. المصدر نفسه ، الباب ٦١ برقم ٣.
٢. الوسائل : الجزء ١٧ ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، الحديث ٥.