بالاجتناب عمّـا هو خارج عن محلّ الابتلاء ـ إذا كان نجساً واقعاً ـ قبيحاً ، ويعود الإناء الآخر مشكوك الحكم من حيث الحرمة فيرجع إلى أصل البراءة.
هذا ما اختاره شيخنا الأنصاري في بداية البحث.
وأشكل عليه بعض العلماء.
منهم : المحقّق الاصفهاني ، فقال في تعليقته : إنّ حقيقة التكليف الصادر من المولى المتعلّق بالفعل الاختياري لا يعقل أن يكون إلا جعل الداعي بالإمكان فيجتمع مع الامتناع بالغير بسبب حصول العلّة فعلاً أو تركاً من قبل نفس المكلّف. (١)
يلاحظ عليه : أنّ الإمكان العقلي لا يدفع الاستهجان العرفي فلو افترضنا صحّة صدور المعصية من العبد ، ولكن دلّت القرائن على أنّه لا يقع في متناول يده ، فالخطاب بالاجتناب وإن لم يكن قبيحاً عقلاً لكنّه مستهجن عرفاً.
ومنهم المحقّق الخوئي على ما في مصباح الأُصول ـ وحاصله ـ : انّ الغرض من الأوامر والنواهي ليس مجرّد تحقّق الفعل والترك خارجاً ، بل الغرض صدور الفعل استناداً إلى أمر المولى ، وكون الترك مستنداً إلى نهيه ليحصل لهم بذلك الكمال النفساني كما أُشير إليه بقوله تعالى : ( وَما أُمروا إِلاّ ليعبُدوا اللّه ) ولا فرق في هذه الجهة بين التعبّدي والتوصلي ، لأنّ الغرض منها هو الاستناد في الأفعال والتروك إلى أمر المولى ونهيه ، بحيث يكون العبد متحركاً تكويناً بتحريكه التشريعي وساكناً كذلك بتوقيفه التشريعي.
وبعبارة أُخرى : الغرض هو الفعل المستند إلى أمر المولى ، والترك المستند إلى نهيه لا مجرّد الفعل والترك فلا قبح في الأمر بشيء حاصل عادة ، ولافي النهي عن
__________________
١. نهاية الدراية : ٢ / ٢٥٣.