شيء متروك بنفسه ، وليس الغرض مجرّد الفعل والترك حتى يكون الأمر والنهي لغواً وطلباً للحاصل. (١)
يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الغرض المفروض إنّما يحصل إذا لم يكن هناك عامل طبيعي يصدُّ الإنسان عن الفعل أو يدفعه إليه ، فعند ذلك يكون الفعل والترك مستندين إلى العامل الداخلي لا إلى العامل التشريعي ، والإنسان مهما حرص لا يصحّ أن ينسب ترك الخبائث والإنفاق على ولده ، وفلذة كبده إلى نهيه وأمره سبحانه ، بل هو بطبيعة ذاته يترك الأوّل ويندفع نحو الثاني ، فلا يحصل الغرض المطلوب في هذين الموردين.
وثانياً : أنّ هذا الغرض إمّا أن يكون لازم الرعاية في حصول الطاعة وتحقّق الامتثال أو لا ، فعلى الأوّل تكون الأوامر والنوهي كلّها تعبدية ، ويختل التقسيم إلى توصلي وتعبدي.
أو لا يكون لازم الرعاية ، وعند ذلك لا يصحّ أن تقع غرضاً وعلّة غائية لجميع الأوامر والنواهي ، لعدم تحقّقه إلا في قسم خاص.
وثالثاً : أنّه لا صلة لقوله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا اللّه ) بما ذكره من أنّ الغاية من جميع الأوامر هي العبادة ، ورتّب على ذلك أنّه يجب أن تكون جميع حركات الإنسان وسكناته تابعة لأمر المولى ونهيه ، مع أنّ الآية المباركة مع اختلاف صغير تهدف إلى أمر آخر ، وذلك لأنّه ورد في آيتين لكلّ هدف خاص يغاير ما جعله تفسيراً للآية.
أمّا قوله : ( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ) (٢) فهو
__________________
١. مصباح الأُصول : ٢ / ٣٩٥.
٢. التوبة : ٣١.