تحليل إجابة الشيخ الأنصاري
ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري أجاب عن الاستدلال بقوله : قلت : إنّ أصالة الطهارة والحلّ في الملاقي ـ بالكسر ـ سليم عن معارضة أصالة الطهارة في المشتبه الآخر ، وحلّيته ، بخلاف أصالة الطهارة والحلّ في الملاقى ( بالفتح ) فانّ جريان الأصلين فيه يعارض جريانهما في المشتبه الآخر ، والسرّ في ذلك انّ الشكّ في الملاقي ( بالكسر ) ناش عن الشبهة المتقوّمة بالمشتبهين ، فالأصل فيهما أصل في الشكّ السببي ، والأصل فيه أصل في الشكّ المسببي ، وقد تقرّر في محلّه انّ الأصل السببي حاكم على الأصل المسببي ، ومع جريان الأصل في الملاقى لا تصل النوبة إلى جريان الأصل في الملاقي ( بالكسر ) والمفروض انّ الأصل في الملاقى سقط لأجل التعارض مع أصل الطرف الآخر ، فتصل النوبة إلى جريان الأصل في الملاقي بلا معارض. (١)
يلاحظ عليه : أنّه مبنيّ على أنّ الرتب العقلية موضوعة للأحكام الشرعية ، فعندئذ يقدم الأصل المتقدّم رتبة على الأصل المتأخر كذلك ، فإذا سقط الأصل في الرتبة المتقدمة بالتعارض ، تصل النوبة إلى الأصل في الرتبة المتأخرة بلا معارض.
ولكنّه أمر غير صحيح ، وذلك لأنّ المخاطب بقوله : « كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر » هو العرف لا الفيلسوف العارف بدقائق المسائل العقلية ، وعلى ذلك فالخطابات ناظرة إلى المصاديق الخارجية للشك ، والمفروض انّ كلّ واحد من الطرف الآخر والملاقى والملاقي ، مشكوك الطهارة معاً ، فيجري فيهما الأصل في عرض واحد ، لأنّ المكلّف عندما يشكّ في طهارة الملاقي ( بالكسر ) يشكّ في طهارة العدلين الآخرين ، فلا وجه لجريان الأصل فيهما قبل جريانه في الملاقى.
__________________
١. الفرائد : ٢٥٣.