من العمل بالحكم القطعي الذي ربما لا يختلف فيه اثنان ، كما هو الحال في باب التحسين والتقبيح العقليين ، فالاستدلال بهذه الروايات على عدم حجّية العقل في مجالات خاصة استدلال بالمباين على المباين.
الطائفة الثالثة : ما تدل على عدم حجّية الرأي
وهناك طائفة أُخرى تدل على عدم حجّية الرأي ، فقد روي عن الإمام علي عليهالسلام أنّه قال : « إنّ المؤمن أخذ دينه عن ربّه ولم يأخذه عن رأيه ». (١)
وروى ابن مسكان ، قال : قال أبو عبد اللّه عليهالسلام : « ما أحد أحبَّ إليّ منكم إنّ الناس سلكوا سبلاً شتى ، منهم من أخذ بهواه ، ومنهم من أخذ برأيه ، وانّكم أخذتم بأمر له أصل ». (٢)
المهم في الباب هو تفسير الرأي ، فالمستدل جعله مرادفاً للاستدلال بحكم العقل مع أنّ المقصود منه هو التفسير بما لا يعلم ، قال أبو جعفر عليهالسلام : « من أفتى الناس برأيه فقد دان اللّه بما لا يعلم ». (٣)
وحصيلة الكلام حول تلك الروايات التي استعرضناها وبسطها الشيخ الحرّ العاملي في أبواب متفرقة من أبواب صفات القاضي إنّها وردت في تفنيد عمل فقهاء العامة وقضاتهم الذين لم يستندوا في الأُصول والفروع إلى أئمّة أهل البيت عليهمالسلام وأخذوا يُفتون ويقضون بقول كلّ من هبّودبّ معتمدين على معايير وأُصول منهية أو لم يدل عليها دليل ، فإسراء مفاد تلك الروايات إلى عمل أصحابنا الأُصوليين بحكم أنّهم يستدلّون بواضح العقل وبداهة الفطرة على حكم شرعي يَقْضي عجباً.
إنّ أبا حنيفة بنى فقهاً كبيراً ، والحال انّه لم يثبت عنده من الأحاديث النبوية
__________________
١ و ٢ و ٣. الوسائل : ١٨ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢١ ، ٣١ ، ١٢.