ومما يدل دلالة واضحة على اشتراطها واعتبارها : بداهة وجوب امتثال أوامر الله سبحانه ، وهو متوقف عرفا على قصد الطاعة والإتيان بالفعل لأجل الأمر بالضرورة ، فإنّ العبد إذا فعل ما أمر به مولاه وغيره لا لأنه أمره بل لأجل أنه أمره غيره لا يعدّ ممتثلا للمولى البتة ، بل قد يعدّ عاصيا بالفعل ، كما إذا أمره عدو مولاه معلقا قتل المولى عليه ، ولذا لو فعل أحد مطلوب الله سبحانه واقعا الذي ظن حرمته يعد عاصيا مستحقا للعقاب ، ولذا لا يجب فيما لا امتثال فيه كالوضعيات من المعاملات ونحوها مما ليس المقصود فيه الإطاعة.
ويظهر مما ذكر أنّ الأصل في كل ما تعلق الأمر به كونه عبادة ، لأنّ ما تعلق به يجب امتثاله المتوقف على القربة ، وما تعتبر فيه القربة فهو عبادة كما مر.
وتدل على المطلوب أيضا الآيات والروايات الناهية عن الرياء في الأعمال ، والمصرحة بعدم قبول ما يتضمنه وبطلانه (١).
ثمَّ المراد بقصد القربة كما عرفت : قصد كون الفعل لله سبحانه ، أي امتثالا لأمره ، أو موافقة لطاعته ، أو انقيادا لحكمه ، أو إجابة لدعوته ، أو أداء لشكره ، أو تعظيما لجلالة ، أو نحو ذلك ، أو طلبا للرفعة عنده بواسطته تشبيها بالقرب المكاني ونيل ثوابه ، أو الخلاص من عقابه.
فتصح العبادة مع أحد تلك القصود ، لصدق كون العمل لله والخلوص اللذين هما الثابت اعتبارهما واشتراطهما من أدلة القربة المتقدمة مع واحد منها. أمّا مع غير الأخيرين ( منها ) (٢) فبالإجماع بل ضرورة العرف واللغة.
وأمّا مع واحد منهما فعلى الأصح بل الأشهر ، كما صرح به والدي ـ رحمهالله ـ في اللوامع ، لقوله سبحانه ( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً. إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ) (٣) جمع بين كون الإطعام لوجه
__________________
(١) راجع الوسائل ١ : ٦٤ ، ٧٠ أبواب مقدمة العبادات ب ١١ ، ١٢.
(٢) لا توجد في « ق ».
(٣) الدهر : ٨ ـ ٩.