وأمّا رواية عبد الأعلى (١) ، فلعدم استنادها إلى إمام ، وعدم دلالتها على الوجوب ـ الذي هو المطلوب ـ ومعارضة إطلاقها مع ما هو أكثر منها عددا وأصحّ سندا وأوضح دلالة وأشهر عملا وأخصّ مدلولا.
فبقي الكلام في ترجيح أحد القولين الأولين ، ولا خفاء في حكم محلّ اجتماعهما ، وهو الخروج قبل الزوال مع التبييت ، أو بعده مع عدمه ، فيفطر في الأول ، ويصوم في الثاني قطعا ، ويبقى حكم القبل مع عدم التبييت والبعد مع التبييت محلا للتعارض.
وهو في الأول مع أخبار القول الأول ، لمخالفته لمعظم العامّة ، فإنّه نقل في المنتهى : إنّ الشافعي وأبا حنيفة والأوزاعي وأبا ثور والزهري والنخعي ومكحول ـ ونسب إلى مالك أيضا ـ قالوا : بأنّه إذا نوى المقيم الصوم قبل الفجر ثمَّ خرج بعده مسافرا لم يفطر يومه (٢). ومع ذلك هو موافق لعمومات وجوب الإفطار في السفر كتابا وسنّة ، فلا مناص على القول به في الأول ، والحكم بوجوب الإفطار مع الخروج قبل الزوال مطلقا.
وأمّا في الثاني ، فيشكل الحكم جدّا ، إذ لا يعلم مذهب العامّة هنا مع التبييت حتى يرجّح مخالفه ، وعمومات السفر وإن كانت مع الإفطار ، إلاّ أنّه ممّا لم يعلم قول أحد به مع القول بالصوم مع عدم التبييت والإفطار ما قبل الزوال مطلقا ، فالظاهر أنّ القول به خلاف الإجماع المركّب ، وبذلك الإجماع يمكن ترجيح إتمام الصوم مع الخروج ما بعد الزوال مطلقا بعد ترجيح أخبار ما قبل الزوال بمخالفة العامّة.
إلاّ أنّ الاحتياط هنا ممّا لا ينبغي أن يترك البتّة ، بأن مع التبييت يخرج
__________________
(١) المتقدمة في ص : ٣٦١.
(٢) المنتهى ٢ : ٥٩٩.