وحكى في التذكرة عن بعض علمائنا قولا بأنّ حكم البلاد كلّها واحد (١) ، وإلى هذا القول ذهب في المنتهى في أول كلامه (٢).
أقول : تحقيق المقام في ذلك المرام : أنّه ممّا لا ريب فيه أنّه يمكن أن يرى الهلال في بعض البلاد ولا يرى في بعض آخر مع الفحص ، واختلاف البلدين في الرؤية إمّا يكون للاختلاف في الأوضاع الهوائيّة أو الأرضيّة ـ كالغيم والصحو وصفاء الهواء وكدرته وغلظة الأبخرة ورقّتها وتسطيح الأرض وتضريسها ونحو ذلك ـ أو للاختلاف في الأوضاع السماويّة ، وذلك إمّا يكون لأجل الاختلاف في عرض البلد أو طوله.
أمّا اختلاف الرؤية لأجل الاختلاف في العرض فيمكن من وجهين : أحدهما : أنّ كلّ بلد يكون عرضه أكثر فتكون دائرة مدار حركة النيّرين فيه في الأغلب أبعد من الاستواء ، ويكون اضطجاعها إلى الأفق أكثر ، ولأجله يكون الهلال عند الغروب إلى الأفق أقرب ، ولذلك يكون قربه إلى الأغبرة المجتمعة في حوال الأفق أكثر ، فتكون رؤيته أصعب ، ولكن ذلك لا يختلف إلاّ باختلاف كثير في العرض.
وثانيهما : من الوجه الذي سيظهر ممّا يذكر.
وأمّا الاختلاف لأجل الاختلاف في الطول فهو لأجل أنّ كلّ بلد طوله أكثر وعن جزائر الخالدات ـ التي هي مبدأ الطول على الأشهر ـ أبعد يغرب النيّران فيه قبل غروبهما في البلد الذي طوله أقلّ.
وعلى هذا ، فلو كان زمان التفاوت بين المغربين معتدّا به يتحرّك فيه القمر بحركته الخاصّة قدرا معتدا به ويبعد عن الشمس ، فيمكن أن يكون
__________________
(١) التذكرة ١ : ٢٦٩.
(٢) المنتهى ٢ : ٥٩٢.