ما كان ليتوفر إلاّ في ظلّ الدفاع عن صرح التوحيد المقدس ، ليس إلاّ.
ولإثبات هذه الحقيقة نشير هنا الى قصة شيخ كبير السن ، وشاب لم يمض من عرسه إلاّ ليلة واحدة!!
١ ـ كان « عمرو بن الجموح » رجلا شيخا أعرج شديد العرج وقد اصيب في رجله في حادثة. وكان له بنون أربعة مثل الاسود ، يشهدون مع رسول الله صلىاللهعليهوآله المشاهد ، فلما كان يوم « احد » أراد ان يخرج مع النبيّ صلىاللهعليهوآله وقد أبت نفسه أن تفوته الشهادة ، وأن يجلس في بيته ولا يشترك مع رسول الله في تلك المعركة ، وإن اشترك بنوه الأربعة فيها.
فأراد أهله وبنوه حبسه وقالوا له : إنّ الله عزّ وجل قد عذرك ، ولم يقتنع بمقالتهم ، وأتى رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : إنّ بنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه ، فو الله إنّي لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنّة.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله له :
« أمّا أنت فقد عذرك الله ولا جهاد عليك » (١).
ثم قال صلىاللهعليهوآله لبنيه وقومه :
« لا عليكم أن لا تمنعوه ، لعلّ الله يرزقه الشهادة ».
فخلّوا عنه ، وخرج وهو يقول : اللهمّ ارزقني الشهادة ولا تردني الى أهلي.
وقد كان موقف هذا المجاهد الأعرج من مشاهد معركة « احد » العظيمة ، ومن قصصها الرائعة ، فقد كان يحمل ـ وهو على ما هو عليه من العرج ـ على الاعداء ويقول : « أنا والله مشتاق إلى الجنّة » وابنه يعدو في أثره حتّى قتلا جميعا (٢).
__________________
(١) لقول الله تعالى : « لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ » ( الفتح : ١٧ ).
(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٩٠ و ٩١ ، المغازي : ج ١ ص ٢٦٥.