على أن هؤلاء لم يقاتلوا من أجل المآرب المادية ، وانما قاتلوا من أجل الهدف ، وهو إعلاء كلمة الدين واقامة صرح التوحيد ، ومحو الوثنية والشرك.
هذا وفي بقية هذه القصة ما هو أعجب من اولها ، وهو أمر ، لا يمكن أن يدرك بالمقاييس المادية ، والأسس التي ينطلق منها أصحاب الاتجاه المادي في تحليل القضايا التاريخية. وانما يهضمها ـ فقط ـ من يؤمن بعالم آخر وراء العالم الماديّ الصرف ، ويصدّق بتأثيره في هذا العالم ، وبالتالي لا يقبل بها إلاّ من يصدّق بقضية الإعجاز والمعجزة ، ويذعن لها ويعترف بصحتها من غير تلكّؤ وابطاء.
وإليك هذه البقية :
لمّا زجرت هند بعيرها لتدخل به المدينة برك البعير في مكانه.
فقالت النسوة التي كنّ هناك : لعلّه برك لما عليه.
فقالت هند : ما ذاك به ، لربما حمل ما يحمل البعيران ، ولكنّي أراه لغير ذلك. فزجرته ثانية ، فقام ، فلما وجّهت به إلى المدينة برك ، فوجهته راجعة الى احد فاسرع.
فرجعت إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فأخبرته بذلك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : فانّ الجمل مأمور. هل قال ( يعني : عمرو بن الجموح ) شيئا؟
قالت : إنّ عمرا لمّا وجّه إلى احد استقبل القبلة ، وقال : اللهم لا تردّني إلى أهلي خزيا ، وارزقني الشهادة!!
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « فلذلك الجمل لا يمضي. إنّ منكم يا معشر الأنصار من لو أقسم على الله لابرّه ، منهم عمرو بن الجموح ، يا هند ما زالت الملائكة مظلة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينظرون أين يدفن » ، ثم مكث رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى قبرهم ، ثم قال : « يا هند قد ترافقوا في الجنة جميعا ، عمرو بن الجموح ، وابنك خلاّد ، وأخوك عبد الله ».
قالت هند : يا رسول الله فادع لي عسى أن يجعلني معهم (١).
__________________
(١) امتاع الاسماع : ج ١ ص ١٤٦ ـ ١٤٨.