« يا معشر المسلمين ، الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم للإسلام ، وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهليّة ، واستنقذكم به من الكفر ، وألّف بين قلوبكم؟؟ ».
فعرف القوم أنها مؤامرة مبيّتة من اليهود اعداء الاسلام والمسلمين ، وكيد خبيث منهم ، فندموا على ما حدث ، وبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله سامعين مطيعين ، وأطفأ الله عنهم كيد أعدائهم (١).
إلاّ أن مؤامرات اليهود لم تتوقف عند هذا الحدّ ، ولم تنته بهذا ، فقد اتسعت دائرة خيانتهم وجنايتهم ، ونقضهم للعهد وأقاموا علاقات سرية وخاصة مع مشركي الأوس والخزرج ، ومع المنافقين والمترددين في اسلامهم واعتقادهم ، واشتركوا بصورة صريحة في اعتداءات قريش على المسلمين ، وفي الحروب التي وقعت بين الطرفين ، وكانوا يقدّمون كل ما أمكنهم من الدعم والمساعدة للوثنيين ، ويعملون لصالحهم!!
وقد جرت هذه النشاطات السرّية والعلنية المضادّة المعادية للاسلام والمسلمين ، وهذا التعاون المشؤوم مع مشركي قريش ، جرت إلى وقوع مصادمات وحروب دامية بين المسلمين والطوائف اليهودية أدت في المآل إلى القضاء على الوجود اليهودي في المدينة.
وسيأتي ذكر هذه الحوادث في وقائع السنة الثالثة والرابعة من الهجرة ، وسيتضح هناك كيف أن الجماعة اليهودية ردت على الجميل الذي تعكسه كلتا المعاهدتين من أولهما الى آخرهما ، بنقض العهد ، ومعاداة الاسلام والمسلمين ، والتآمر ضدّ رسول الله صلىاللهعليهوآله خاصّة ، وبنصرة أعدائه ، ودعم خصومه ، الأمر الذي أجبر النبيّ صلىاللهعليهوآله على تجاهل تلك المعاهدات الودية والانسانية ومن ثم محاربتهم ، وإخراجهم من المدينة وما حولها والقضاء على
__________________
(١) السيرة النبوية : ج ١ ص ٥٥٥ ـ ٥٥٧.