والحرب ، بل عاد يهدد قريشا اذا هي أرادت صدّه عن ذلك.
فشق هذا الكلام وهذا التهديد على قريش وخافوا من مخالفته ، فقالوا : مه ، كفّ عنا يا حليس حتّى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.
ثمّ بعثوا أخيرا « عروة بن مسعود الثقفي » وكان رجلا لبيبا تطمئن قريش إلى درايته وحكمته وخيره وكان لا يحبّ أن يمثّل قريشا في هذه المفاوضات لما رآه من معاملتهم مع الممثلين السابقين ، ولكن قريشا تعهدت له بان تقبل بما تقول ، وأعلنت له عن ثقتها الكاملة به ، وبما سيخبر به ، وبأنه غير متّهم عندهم.
فخرج من عندهم حتى أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله فجلس بين يديه ثم قال : يا محمّد جمعت أو شاب الناس ( أي أخلاطهم ) ثم جئت بهم إلى أهلك وقبيلتك ، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا ، وأيم الله لكأنّي بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا ، ( أو قال : أن يفرّوا عنك ويدعوك ).
وعند ما بلغ ابن مسعود في كلامه إلى هذا قال له أبو بكر وكان جالسا خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله : أنحن ننكشف عنه ، وندعه؟
لقد كان « عروة » كأيّ دبلوماسيّ ماكر ، يحاول إضعاف معنويات أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله بكلامه ، وروغانه.
وأخيرا انتهت المباحثات دون جدوى. وهنا جعل « عروة » يتناول لحية رسول الله صلىاللهعليهوآله ازدراء به صلىاللهعليهوآله ، والمغيرة بن شعبة ـ وكان واقفا على رأس رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ يقرع يده إذا تناول لحية النبي صلىاللهعليهوآله ويقول اكفف يدك عن وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل أن لا تصل إليك.
فسأل عروة : يا محمّد من هذا؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآله : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة ( ويبدو أن جميع من كان حول النبي آنذاك أو بعضهم كانوا مقنعين رعاية للظروف الأمنية ).