رسول الله صلىاللهعليهوآله في رجال من خزاعة فكلّموه نيابة عن قريش وسألوه : ما الذي جاء به؟ فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله :
« إنّا لم نجيء لقتال أحد ، ولكنّا جئنا معتمرين ».
فرجعوا إلى قريش وأخبروهم بأن رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يات لقتال وإنما جاء معتمرا زائرا لبيت الله ، ولكن قريشا لم يصدقوهم وقالوا : وإن كان جاء ولا يريد قتالا فو الله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ، ولا تحدّث بذلك عنّا العرب.
ثم بعثوا « مكرز بن حفص » فسمع من النبي صلىاللهعليهوآله ما سمعه سابقه ، فعاد وصدّق ما أخبر بديل قريشا به ، ولكن قريشا لم تصدق مكرزا أيضا كما لم تصدّق سابقه.
فبعثت في المرة الثالثة الحليس بن علقمة (١) وكبير رماة العرب ، لحسم الموقف ، فلما رآه رسول الله صلىاللهعليهوآله مقبلا قال :
« إن هذا من قوم يتألّهون ( أي يعظمون أمر الله ) فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه ».
فلما رأى الحليس ، الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده ، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محلّه ، رجع إلى قريش ، ولم يصل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله إعظاما لما رأى ، فقال لهم : يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ، ولا على هذا الّذي عاقدناكم ، أيصدّ عن بيت الله من جاء معظما له وقد ساق الهدي معكوفا إلى محلّه؟! ، والذي نفس الحليس بيده لتخلّنّ بين محمّد وما جاء له ، أو لأنفّرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد ، وهكذا امتنع الحليس من مواجهة رسول الله بالقوة واستخدام العنف معه لصده ، وقد لاحظ بأم عينيه ان النبي صلىاللهعليهوآله والمسلمين لا يريدون إلاّ العمرة والزيارة لا القتال
__________________
(١) لقد جاء الحليس إلى النبي بعد عروة الثقفي حسب رواية الطبري في تاريخه : ج ٢ ص ٢٧٦.