رأس جماعة اخرى فكان كرفيقه إذ رجع ولم يحقق فتحا ، بل عاد ـ حسب ما يروي الطبري ـ (١) فزعا مرعوبا وهو يصف شجاعة مرحب وقوّته البالغة ، فأغضب هذا العمل رسول الله صلىاللهعليهوآله وفرسان الاسلام الابطال وقادة الجيش الاسلامي ، فجمع رسول الله صناديد جيشه وقال :
« لاعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله يفتح على يديه ليس بفرّار » أو : « كرار غير فرار » حسب نقل الطبري والحلبي (٢).
وقد أثارت هذه الجملة الخالدة الحاكية عن فضيلة وشجاعة وتفوّق ذلك الفارس الذي قدر أن يكون الفتح على يديه وتميّزه المعنوي على غيره موجة من الفرح الممزوج بالاضطراب بين أفراد الجيش وقادته الشجعان.
فقد بات كل واحد منهم يتمنى أن يكون هو صاحب هذا النوط الخالد والعظيم ، وان تصيب القرعة اسمه.
ولما بلغ عليا عليهالسلام مقالة النبي صلىاللهعليهوآله هذه وهو في خيمته قال :
« اللهم لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت » (٣).
غطّى ظلام الليل كل مكان ، وذهب جنود الاسلام إلى أماكن نومهم ، وبينما بقي الحراس يتحارسون طوال الليل ، ويرصدون أوضاع العدوّ الغادر
__________________
(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٣٠٠.
(٢) مجمع البيان : ج ٩ ص ١٢٠ ، السيرة الحلبية : ج ٢ ص ٣٧ ، السيرة النبوية : ج ٣ ص ٣٣٤ أمتاع الاسماع : ج ١ ص ٣١٤ ولقد انزعج المؤرخ الاسلامي المعروف ابن أبي الحديد من فرار هاتين الشخصيتين فقال في ضمن قصيدة له :
وما أنس لا أنس اللّذين تقدّما |
|
وفرّهما والفرّ قد علما حوب |
وللراية العظمى وقد ذهبا بها |
|
ملابس ذلّ فوقها وجلابيب |
يشلّهما من آل موسى شمر دل |
|
طويل نجاد السيف أجيد يعبوب |
( الغدير : ج ٧ ص ٢٠١ اقتباسا من القصائد العلويات ).
(٣) السيرة الحلبية : ج ٢ ص ٣٥.