ولهذا عند ما أعلن رسول الله صلىاللهعليهوآله بان يستعد من حرم من العمرة في العام الماضي للعمرة ، دب شوق عجيب في نفوس المسلمين ، واغرورقت دموع الفرح في عيونهم ، فخرج مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ألفا شخص بدل ألف وثلاثمائة وهم عدد الذين خرجوا معه في السنة الماضية.
وكان بين الخارجين مع رسول الله صلىاللهعليهوآله جمع كبير من شخصيات المهاجرين والأنصار البارزة الذين كانوا يلازمون رسول الله صلىاللهعليهوآله طول سيره ملازمة الظل لصاحب الظل.
وساق رسول الله صلىاللهعليهوآله في هذه العمرة ستين بدنة وقد قلّدها (١) ، وأحرم من مسجد المدينة واتبعه الآخرون ، وخرج ألفان وهم يلبّون مرتدين أثواب الاحرام يقصدون مكة.
ولقد كان هذا الموكب العظيم من الجلال والمغزى المعنوي بحيث لفت نظر الكثير من المشركين إلى حقيقة الاسلام ومعنويته الرائعة.
ولو قلنا : ان هذا السفر كان ـ في حقيقته ـ سفرا تبليغيا ، وان المشتركين فيه كانوا ـ في حقيقة الامر ـ طلائع التبليغ والدعوة لما قلنا جزافا ، فان آثار هذا السفر المعنوى ظهرت للتو فقد انبهر بمنظر سلوكهم وعبادتهم ونظامهم الد أعداء الاسلام أمثال « خالد بن الوليد » بطل معركة أحد وعمرو بن العاص داهية العرب فرغبوا في الاسلام ، وأسلموا بعد قليل.
وحيث ان رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يكن آمنا من غدر قريش فقد كان يحتمل أن يباغتوه ويباغتوا أصحابه في أرض مكة ، ويسفكوا دماء جماعة
__________________
(١) البدنة الناقة تنحر بمكة والجمع بدن وتقليد البدنة أن يجعل في عنقها نعلا فيعلم أنها هدي.