والمسلمين ، فقد كان النبي صلىاللهعليهوآله يعرف جيدا أنه لو ازيلت الموانع ورفعت عن طريق الدعوة الاسلامية لترك منطق الدين الحنيف أثره في المجتمع الحرّ ، وكان يعلم بأن الذين يعقدون الاجتماعات ، ويقيمون التحالفات النظامية ليحولوا دون تقدم الاسلام ، وانتشاره ، لو جرّدوا من أسلحتهم ، وانهيت حالة الحرب بينهم وبين الاسلام ، وتركوا فكرة التغلب على الاسلام عن طريق القوة العسكرية ، وسمعوا منطق الاسلام في جوّ بعيد عن صخب القتال ، لانجذبوا إلى عقيدة التوحيد بدافع الفطرة وهدايتها ، ولاستجابوا لنداء الضمير ، وصاروا من أنصار الاسلام ، ومؤيديه المخلصين الأوفياء.
ولهذا السبب كانت الجماعات والاقوام التي يتغلب عليهم جنود الاسلام ، ثم يتسنى لهم مناخ التفكير الحرّ في العقيدة والتعاليم الاسلامية السامية في جوّ بعيد عن الضوضاء والصخب ، تنجذب إلى الاسلام ، وترغب فيه ، وتعتنق بل تشمّر عن ساعد الجدّ لنشر العقيدة الاسلامية التوحيدية.
وقد تجلّت هذه الحقيقة في موضوعنا الراهن وهو فتح مكة بصورة أكمل وأقوى ، فقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يدرك جيّدا لو أنّه فتحت مكة ، وجرّد العدوّ من السلاح ووفرت أجواء حرة آمنة بعيدة عن الكبت والاضطهاد فانه لم يلبث أن يصبح هذا الفريق المعادي والمناهض للاسلام بشدة ، من أنصار هذا الدين ، ومن المجاهدين الصادقين ، الساعين في نشره.
ولهذا يجب التغلب على هذا العدوّ ، وكسر شوكته ، ولكن يجب عدم إفنائه وإبادته ، بل ينبغي تجنب إراقة الدماء ، وازهاق الارواح ما أمكن.
ولأجل الوصول إلى هذه الغاية المقدسة ( الغلبة على العدوّ من دون إراقة الدماء ) استخدم رسول الله صلىاللهعليهوآله اسلوب مباغتة العدوّ.
فقبل أن يفكّر العدوّ في الدفاع عن نفسه ، ويجمع قواه ، ويستعدّ للمواجهة ، كان النبي صلىاللهعليهوآله يحاصر العدوّ في أرضه ، ويجرّده من سلاحه ، ويجهض محاولته ، ومؤامرته.