اكتشف المحققون مزيدا من الآفاق ، وجديدا من الابعاد في هذه الشخصية الإلهية.
ولقد كان تعاطي السيرة النبوية والحديث حولها في البداية منحصرا ( أو بالاحرى مقتصرا ) على مشاهدات أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله ومسموعاتهم.
ومع ظهور جيل جديد يدعى بالتابعين بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله اتخذت الاحاديث والسنن الاسلاميّة ، وتفاصيل الحياة النبويّة ، وقصص غزواته وحروبه رونقا جديدا ، وأحسّ الجيل الجديد برغبة شديدة في أخذ الاحاديث الاسلامية ، والتعرف على الحوادث التي وقعت في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وأيّام حياته من مولده إلى وفاته.
وكلما ازدادت حالات الوفاة ، في أوساط الصحابة والتابعين الذين كانوا يشكّلون المنبع الأوّل والمصدر الأصيل لهذا النوع من العلوم الاسلامية ، اتسع الاهتمام بالسيرة وما شابهها وتعاظمت الرغبة فيها وتزايد عطش المسلمين إلى اخذ ومعرفة الأحاديث التي تتضمن بيان خصوصيات حياة رسول الاسلام صلىاللهعليهوآله ، وجزئيات سيرته الطاهرة. هذا من جانب.
ومن جانب آخر كان تشدّد الخليفة الثاني (١) ، ومنعه عن كتابة أحاديث النبيّ صلىاللهعليهوآله قد أوجب أن يندثر كثير من الأحاديث الاسلامية ، التي سمعها بعض أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله وتدفن تحت التراب بموتهم.
ولقد استمر منع الخليفة عن كتابة الحديث النبوي وبقي ساري المفعول لمدة طويلة بعد وفاته (٢) ، حتى أتى الى الحكم خليفة معتدل السيرة من الأمويين هو : « عمر بن عبد العزيز » فأمر ـ في رسالة وجّهها الى أبي بكر بن حزم حاكم المدينة
__________________
(١) تقييد العلم : ص ٤٨ ـ ٥٣.
(٢) لم يترك نهي الخليفة أي أثر على علماء الشيعة الذين كانوا يتبعون عليا عليهالسلام ، فقد عمدوا في فترة محدودة الى تدوين وضبط الأحاديث ، وحفظوا كنوزا عظيمة من علوم اهل البيت النبوي ، للتوسع في هذا المجال راجع كتاب « تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام ».