ولكن تقادم العهد ، وانقطاع شعب الحجاز عن قيادة الأنبياء ، وأنانية قريش ، وسيادة الوثنية على عقول العرب أوجب أن تتعرض مراسم الحج ومناسكه ـ من حيث الزمان والمكان ـ لعملية تحريف وتغيير ، وان تفقد صبغتها الحقيقية ووجهها الواقعيّ.
لهذه الجهات امر رسول الله صلىاللهعليهوآله في السنة العاشرة من الهجرة ، ومن قبل الله سبحانه ان يشارك في مراسم الحج شخصيا ، ويقوم بتعليم مناسك الحج للناس ، ويوقفهم على واجباتهم في هذه العبادة الكبرى عمليا ، كما يقوم بإزالة كلّ ما علق بها من زوائد طيلة السنوات الغابرة ، ويعيّن حدود « عرفات » و « منى » ويوم الإفاضة منها ولهذا فانّ السفر كان سفرا ذا طابع تعليمي ، قبل أن يكون ذا طابع سياسيّ واجتماعي.
أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله في الشهر الحادي من العام العاشر للهجرة ( أي شهر ذي القعدة ) بأن ينادى في المدنية وبين القبائل بأن رسول الله صلىاللهعليهوآله يقصد مكة للحج هذا العام ، فاحدث هذا الاعلان شوقا وابتهاجا عظيمين في نفوس جمع كبير من المسلمين ، فتهيّأ عدد هائل منهم لمرافقة رسول الله صلىاللهعليهوآله وضربت مضارب وخيم كثيرة خارج المدينة المنورة بانتظار حركة النبي صلىاللهعليهوآله وتوجّهه الى مكة (١).
وفي اليوم السادس والعشرين من شهر ذي القعدة خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله من المدينة متوجها الى مكة وقد استخلف مكانه في المدينة أبا دجانة الانصاري ، وقد ساق معه ما يزيد عن ستين بدنة.
وعند ما بلغ الموكب النبوي العظيم إلى « ذي الحليفة » ( وهي نقطة فيها مسجد الشجرة أيضا ) أحرم بلبس قطعتين عاديتين من القماش الأبيض من مسجد الشجرة ، ودخل الحرم ، ولبّى عند الاحرام قائلا :
__________________
(١) السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٣٨٩.