ثانياً (*). (وأمّا الأصل العملي) فيختلف في الموارد ، فأصالة البراءة في مثل ـ أكرم كل عالم ـ (١) يقتضي عدم وجوب إكرام ما انقضى عنه المبدأ قبل الإيجاب ، كما أنّ قضية الاستصحاب وجوبه (٢) لو كان الإيجاب قبل الانقضاء (**). فإذا
______________________________________________________
(١) مما يكون الشك فيه في حدوث التكليف.
توضيحه : أنّه ـ بعد أن نفي الأصل اللفظي المثبت لوضع المشتق للأعم أو الأخص ـ تعرّض لما يقتضيه الأصل العملي من الحكم الفرعي ، فقال : إنّ تشريع الحكم تارة يكون بعد انقضاء البداء كما إذا قال : «أكرم كل عالم» مثلا بعد انقضاء العلم عن الذات المتصفة به ، وأُخرى يكون قبل انقضائه عنها. فان كان بعده ، فمقتضى أصل البراءة عدم الوجوب ، لأنّ المشتق ان كان حقيقة في الأعم فوجوب إكرامه ثابت ، وإن كان حقيقة في خصوص حال التلبس فإكرامه غير واجب ، فالشك في معنى المشتق أوجب الشك في حدوث الوجوب ، ومقتضى أصالة البراءة عدمه. وإن كان تشريعه قبل انقضاء العلم عنها ، فمقتضى الاستصحاب بقاء وجوبه ، إذ المفروض القطع بوجوب إكرامه قبل زوال العلم عنه ، فبعده يشكّ في ارتفاع الوجوب ، إذ على تقدير وضع المشتق للأعم فالحكم باقٍ ، وعلى تقدير وضعه للأخص فالحكم مرتفع ، وحيث إنّ الحكم مشكوك فيه ، فالاستصحاب يقتضي بقاءه.
(٢) أي : وجوب الإكرام.
__________________
(*) لا يخفى أنّ المناسب تقديم التعرض للغلبة على أصالة عدم الخصوص أو العموم إن أراد بها الأصل العملي أعني الاستصحاب ، لترتب جريانه على فقد الدليل من الغلبة وغيرها من الأدلة التي لا يرجع معها إلى الأُصول العملية.
(**) بل الأصل الجاري في هذه الصورة ليس إلّا البراءة أيضا ، ضرورة أنّ منشأ الشك في بقاء الحكم هو إجمال المفهوم وعدم تبيّن حدوده ، ولا مجال لجريان