دفع وهم : لا يخفى أنّه ليس غرض الأصحاب والمعتزلة من نفي غير الصفات المشهورة (١) وأنّه (٢) ليس صفة أخرى (٣) قائمة بالنفس كانت كلاما نفسيا
______________________________________________________
كافة اتفقوا على أنّه تعالى متكلم ، واختلفوا فيما يراد به وفي كونه حادثا أو قديما ، فعن المعتزلة : «أنّ كلامه أصوات وحروف قائمة بغيره لا بذاته» ، وعن الحنابلة والكرامية : «أنّه أصوات وحروف قائمة بذاته تعالى» ، وعن الأشاعرة : «أنّ كلامه ليس من جنس الأصوات والحروف ، بل معنى قائم بذاته يسمى الكلام النفسيّ». ثم المحكي عن المعتزلة والكرامية : «أنّه حادث» ، وعن الأشاعرة والحنابلة : «أنه قديم» ، فمذهب الأشاعرة في الكلام الّذي اتفقوا على كونه من صفاته تعالى هو أنّه معنى قديم قائم بذاته تعالى ، وحيث إنّه لم يكن ذلك بعلم ولا إرادة ولا كراهة لعدم كون هذه الأمور كلاما ، اضطرّوا إلى تفسيره في الخبر بالنسبة ، وفي الإنشاء بالطلب والمنع ونحوهما ، فالطلب عندهم صفة قائمة بذاته سبحانه وتعالى قديم ، فلا مجال لأن يريدوا به الطلب الإنشائي ، لعدم قدمه كالكلام اللفظي ، ولعدم كونه من صفات النّفس.
وبالجملة : فملاحظة جملة من أدلة الأشاعرة على التغاير تأبى عن جعل النزاع بينهم وبين الإمامية والمعتزلة لفظيا ، وإن شئت الوقوف على ذلك مفصلا فراجع البدائع.
(١) وهي العلم في الجمل الخبرية ، والإرادة والكراهة وغيرهما في الجمل الإنشائية.
(٢) معطوف على ـ نفى ـ وضمير ـ أنه ـ للشأن.
(٣) يعني : غير تلك الصفات المشهورة ، والغرض من هذا الدفع هو : أنّه (قد يتوهم) من ردِّ الأشاعرة القائلين بالكلام النفسيّ ، ببيان : أنّ الكلام إمّا خبر وإمّا إنشاء ، وليس في الخبر صفة زائدة على تصور الموضوع والمحمول والنسبة