وقبل الخوض في تحقيق الحال لا بأس بتمهيد مقال ، وهو : أنّ الوضع التعييني كما يحصل بالتصريح بإنشائه كذلك يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما إذا وضع له ، بأن يُقصد الحكاية عنه والدلالة عليه بنفسه (١) لا بالقرينة وإن كان لا بد حينئذٍ (٢) من نصب قرينة ، إلّا أنّه (٣) للدلالة على ذلك ، لا على إرادة المعنى كما في المجاز (٤) ،
______________________________________________________
(١) أي بنفس اللفظ ليمتاز عن الدلالة على المعنى المجازي الّذي يكون بمعونة القرينة ، ومحصل ما أفاده في المقام هو : أنّ الوضع التعييني خفيف المئونة ، لأنّه كما يتحقق بتصريح الواضع بإنشائه كأن يقول : إني وضعت اللفظ الكذائي للمعنى الفلاني ، كذلك يتحقق بنفس استعمال لفظ في معنى يقصد الوضع له والحكاية عنه ، فبنفس هذا الاستعمال يحصل الوضع ، كما إذا قال لولده الّذي لم يُعيّن له اسماً بعد : ـ ناولوني ولدي هذا زيداً ـ قاصداً به تسمية ولده بزيد ، فقبل الاستعمال لا يكون المستعمل فيه موضوعاً له ، وبنفس الاستعمال يصير معنى حقيقياً للفظ.
وبالجملة : (لمّا كانت) دعوى الوضع التعييني هنا في غاية الإشكال ، إذ لو كان لبان ، لعدم كونه من الأُمور التي أُخفيت لدواعٍ ، وعدم كونه من قبيل عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود (ادعى) المصنف (قده) إمكانه بالنحو الثاني أي بنفس الاستعمال.
(٢) يعني : حين قصد إنشاء الوضع بنفس الاستعمال.
(٣) أي : نصب القرينة إنّما هو للدلالة على قصد الوضع بهذا الاستعمال.
(٤) فإنّ القرينة فيه تكون على إرادة المعنى المجازي ، لأنّ اللفظ لا يدل عليه إلّا مع القرينة الصارفة له عن المعنى الحقيقي.