.................................................................................................
______________________________________________________
بل يظهر من كلام ابن الجنيد أنّه قال باستحبابه. وقد اتفقت كلمة أصحابنا في تفسير الإقعاء المكروه بما عرفت ، فإثبات كراهيّته بما يوهمه إطلاق كلام بعض اللغويين والمخالفين مشكل. فإن قلت : ما مرَّ من قول أبي جعفر عليهالسلام : «ولا تقع على قدميك» وقوله عليهالسلام : «إيّاك والقعود على قدميك فتتأذّى بذلك .. الحديث» يدلّان على شمول النهي لهذا الفرد أيضاً ، قلنا : أمّا الخبر الأوّل فقد ورد النهي فيه عن الإقعاء عل القدمين لا مطلق القعود عليهما فيتوقّف الاستدلال به على أنّ الإقعاء موضوع لخصوص هذا الفرد أو لما يشمله وقد عرفت ما فيه ، نعم بظاهره ينفي المعنى المشهور عند اللغويين. وأمّا الخبر الثاني فهو وارد في الجلوس للتشهّد لا بين السجدتين. ولو ارتكبنا التكليف في ذلك بأنّ العلّة الّتي ذكرها في التشهّد تحصل في غيره فيتعدّى الحكم إليه كما قيل ، فمع أنّه يمكن المناقشة فيه بمنع جريان العلّة إذ الدعاء والذكر في التشهّد أكثر منهما بين السجدتين لا نسلّم أنّه يدلّ على هذا المعنى ، إذ يحتمل أن يكون المراد به النهي عن أن يجعل باطن قدميه على الأرض غير موصل ألييه إليها رافعاً فخذيه وركبتيه إلى قريب ذقنه كما يتجافى المسبوق ، بل الخبر الأوّل أيضاً يحتمل ذلك ، فظهر معنى آخر للإقعاء ، والفرق بينه وبين المعنى المشتهر بين اللغويين بإلصاق الأليين بالأرض وعدمه. وربما احتمل كلام ابن الجنيد أيضاً ذلك حيث قال : ولا يقعد على مقدّم رجليه وأصابعهما. والتعليل الوارد في الخبر أيضاً شديد الانطباق على هذا الوجه ، ولو سلّم عدم إرادة هذا المعنى فالتعليل الوارد في الخبر بالمعنى المشهور بين الأصحاب ألصق. وبالجملة الأظهر حمل الإقعاء المنهيّ عنه على ما هو المشهور بين الأصحاب ، ولكن الأحوط والأولى ترك الجلوس على الوجوه الأربعة التي ذكرنا أنّها من محتملات الأخبار ، بل يحتمل أن يكون المراد النهي عن جميعها إن جوّزنا استعمال اللفظ في المعنيين الحقيقيّين أو المعنى الحقيقي والمجازي معاً انتهى (١) كلامه رضياللهعنه.
__________________
(١) بحار الأنوار : باب ٥٣ أدب الهوي إلى السجود ج ٨٥ ص ١٩٣ و ١٩٤.