محقا ، لأنه على حق فقد حارب الحق بالذات ، وكل من استخف برسول ، لأنه يحمل رسالة المرسل فقد استخف بمن أرسله ، لا بشخص الرسول .. وكان مشركو مكة يسمون محمدا (ص) الصادق الأمين قبل الرسالة ، ولما جاءهم برسالة الله ، وأقام عليهم الحجة تصدوا لحربه ، وقالوا : ساحر مجنون .. فتكذيبهم له ، والحال هذه ، تكذيب لرسالة الله وآياته ، ولا شيء أدل على ذلك من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) ـ ١٠ الفتح.
(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا). يقول سبحانه لنبيه : ان يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك ، وأوذوا في سبيل رسالته ، فصبروا على الإيذاء ، حتى أتاهم النصر ، فاصبر أنت كما صبروا ، والله ينصرك كما نصرهم ..
هذا هو المحور الذي تدور عليه الحياة ، صراع بين الخير والشر ، والحق والباطل ، ومحال أن يناصر الحق مناصر ، ولا يلقى الأذى من أعداء الحق .. وأيضا لا ينتصر الحق إلا إذا وجد أنصارا يصبرون على الجهاد في سبيله ، ويدفعون ثمنه من أنفسهم وأهلهم وأموالهم ، سنة الله ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، وهذا هو معنى قوله تعالى : (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ).
ولا أعرف عصرا بلغ فيه المبطلون من القوة كهذا العصر الذي نعيش فيه ، فقد أقاموا في كل بقعة قواعد للحرب ، وأوكارا للتخريب ، وتسلحوا بأشد الأسلحة فتكا ، وأكثرها دمارا ، وسيطروا على مقدرات الشعوب المستضعفة ، والبنوك والمصارف ، والصحف والمطابع ، ودور النشر والتوزيع إلا ما ندر ، حتى وجد المخلص الأمين نفسه معزولا منبوذا لا يستطيع أن ينشر مقالا حرا ، أو يذيع من وسائل الاذاعة كلمة حق ، أما الخائن فأين اتجه يجد الترحيب والإكبار.
(وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ). أي لقد قصصنا عليك من قبل ما لاقى الأنبياء من أقوامهم ، وكيف صبروا على التكذيب والأذى ، وان النصر في