عمار وجماعة ، وببغداد أحمد بن حنبل وطبقته ، وبالكوفة يحيى بن عبد الحميد الحماني ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبا بكر بن أبي شيبة وطائفة ، وبالبصرة أصحاب حماد بن زيد ، وعني بالأثر عناية عظيمة لا مزيد عليها ، وعدد شيوخه مائتان وأربعة وثلاثون رجلا ، وكان إماما ، زاهدا ، صوّاما ، صادقا ، كثير التهجد ، مجاب الدعوة ، قليل المثل ، مجتهدا ، لا يقلد ، بل يفتي بالأثر.
ولد في رمضان سنة إحدى ومائتين ، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ست وسبعين ومائتين.
قال ابن حزم : أقطع أنه لم يؤلّف في الإسلام مثل تفسيره ، لا تفسير محمد بن جرير ولا غيره ، وكان محمد بن عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس محبا للعلوم عارفا بها ، فلما دخل بقي بن مخلد الأندلس بمصنف ابن أبي شيبة وقرىء عليه أنكر جماعة من أهل الرأي ما فيه من الخلاف واستبشعوه ، وقام جماعة من العامة عليه ، ومنعته (١) من قراءته ، فاستحضره الأمير محمد وإياهم ، وتصفح الكتاب جزءا جزءا حتى أتى على آخره ، ثم قال لخازن كتبه : هذا الكتاب لا تستغني خزانتنا عنه ، فانظر في نسخه لنا ، وقال لبقي : انشر علمك ، وارو ما عندك ، ونهاهم أن يتعرضوا له.
قال ابن حزم : مسند بقي روي فيه عن ألف وثلاثمائة صاحب ونيف ، ورتب حديث كل صاحب على أبواب الفقه فهو مسند ومصنّف (٢) ، وما أعلم هذه الرتبة لأحد قبله ، مع ثقته وضبطه وإتقانه واحتفاله في الحديث وله مصنف في فتاوى الصحابة والتابعين ممن ذكرهم أربى فيه على مصنف أبي بكر بن أبي شيبة وعلى مصنف عبد الرزاق وعلى مصنف سعيد بن منصور.
ثم ذكر تفسيره فقال : فصارت تصانيف هذا الإمام الفاضل قواعد الإسلام ، لا نظير لها ، وكان متخيرا لا يقلد أحدا ، وكان جاريا في مضمار البخاري ومسلم والنسائي.
وذكر القشيري أن امرأة جاءته فقالت له : إن ابني قد أسرته الفرنج ، وإني لا أنام الليل من شوقي إليه ، ولي دويرة أريد أن أبيعها لأفتكّه بها ، فإن رأيت أن تشير إلى من يأخذها ويسعى
__________________
(١) في ب ، ه : «ومنعوه من قراءته».
(٢) المسند : كتاب الحديث الذي رتب فيه الحديث بحسب رواته من الصحابة ، فيكون لكل صحابي باب ، فباب لأبي بكر وآخر لعمر ، وثالث لأبي هريرة مثلا. وهكذا. ومن أشهر هذا النوع مسند أحمد بن حنبل. والمصنف هو كتاب بالحديث الذي رتبت أحاديثه بحسب أبواب الفقه ، فيكون باب للوضوء ، وآخر للصلاة ، وثالث للصوم ... وهكذا. ومن هذا النوع صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن والموطأ.