أفديه من ماض لأمر الردى |
|
مستقبلا من ربه بالقرى |
ما بات في أبيض أكفانه |
|
إلا وأضحى سندسا أخضرا |
تصافح الحور له راحة |
|
كم تعبت في كل ما سطر |
إن مات فالذكر له خالد |
|
يحيا به من قبل أن ينشرا |
جاد ثرى وافاه غيث إذا |
|
مساه بالسّقي له بكّرا |
وخصه من ربه رحمة |
|
تورده في حشره الكوثرا |
وكان قد قرأ القراءات على الخطيب أبي محمد عبد الحق بن علي بن عبد الله نحوا من عشرين ختمة إفرادا وجمعا ، ثم على الخطيب الحافظ أبي جعفر أحمد الغرناطي المعروف بالطباع بغرناطة ، ثم قرأ السبعة إلى آخر سورة الحجر على الخطيب الحافظ أبي علي الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص بمالقة ، ثم إنه قدم الإسكندرية ، وقرأ القراءات على عبد النصير بن علي بن يحيى المريوطي (١) ، ثم قدم مصر فقرأ بها القراءات على أبي الطاهر إسماعيل بن هبة الله المليحي ، وسمع الكثير على الجم الغفير بجزيرة الأندلس وبلاد إفريقية والإسكندرية وديار مصر والحجاز ، وحصّل الإجازات من الشام والعراق وغير ذلك ، واجتهد في طلب التحصيل والتقييد والكتابة ، ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالا منه ، لأني لم أره قط إلا يسمع أو يشتغل أو يكتب ، ولم أره على غير ذلك ، وله إقبال على الطلبة الأذكياء ، وعنده تعظيم لهم ، ونظم ونثر ، وله الموشحات البديعة ، وهو ثبت فيما ينقله ، محرر لما يقوله ، عارف باللغة ، ضابط لألفاظها ، وأما النحو والصرف (٢) ، فهو إمام الناس كلهم فيهما ، لم يذكر معه في أقطار الأرض غيره في حياته ، وله اليد الطّولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وحوادثهم ، خصوصا المغاربة ، وتقييد أسمائهم على ما يتلفظون به من إمالة وترقيق وتفخيم ، لأنهم يجاورون بلاد الإفرنج وأسماؤهم قريبة من لغاتهم ، وألقابهم كذلك ، وقيده وحرره ، وسأله شيخنا الذهبي أسئلة فيما يتعلق بذلك ، وأجابه عنها.
وله التصانيف التي سارت وطارت ، وانتشرت وما انتثرت ، وقرئت ودريت ونسخت وما فسخت ، أخملت كتب الأقدمين ، وألهت المقيمين بمصر والقادمين ، وقرأ الناس عليه ، وصاروا أئمة وأشياخا في حياته ، وهو الذي جسّر الناس على مصنفات ابن مالك رحمه الله
__________________
(١) المريوطي : نسبة إلى بلد في مصر تدعى مريوط.
(٢) في ب : «أما النحو والتصريف».