إذا مر عمر المرء ليس براجع |
|
وإن حل شيب لم يفده خضاب |
فحل حمام الشيب في فرق لمّتي |
|
وقد طار عنها للشباب غراب (١) |
وكم عظة لي في الزمان وأهله |
|
وبين فؤادي والقبول حجاب |
فدع شهوات النفس عنك بمعزل |
|
فعذب الليالي مقتضاه عذاب |
وسلّ فؤادا عن رباب وزينب |
|
فما القصد منها زينب ورباب |
وأنوي متابا ثم أنقض نيتي |
|
فربع صلاحي بالفساد خراب |
أقر بتقصيري وأطمع في الرضا |
|
وما القصد إلا مرجع ومتاب |
ويعتبني في العجز خلّ وصاحب |
|
وهل نافع في الجامدات عتاب |
أطهر أثوابي وقلبي مدنس |
|
وأزعم صدقا والمقال كذاب |
وفارقت من غرب البلاد مواطنا |
|
فيسقي ربا غرب البلاد سحاب (٢) |
فبالقلب من نار التشوق حرقة |
|
وبالعين من فيض الدموع عباب (٣) |
وما بلغ المملوك قصدا ولا منّى |
|
ولا حطّ عن وجه المراد نقاب |
وأخشى سهام الموت تفجأ غفلة |
|
وما سار بي نحو الرسول ركاب |
وقلبي معمور بحب محمد |
|
فمالي في غير الحجاز طلاب |
يحنّ إلى أوطانه كل مسلم |
|
فقدس منها منزل وجناب |
فأسعد أيامي إذا قيل هذه |
|
منازل من وادي الحمى وقباب |
فجسمي بمصر وروحي بطيبة |
|
فللروح عن جسمي هناك مناب |
على مثل هذا العجز والعمر منقض |
|
تشقّ قلوب لا تشق ثياب |
وأرجو ثوابا بامتداحي محمدا |
|
وما كل مثن في الزمان يثاب |
به أخمدت من قبل نيران فارس |
|
وحقق من ظبي الفلاة خطاب |
وكم قد سقى من كفه الجيش فارتووا |
|
وكم قد شفى منه العيون رضاب |
أجيب لما يختار في حضرة العلا |
|
وما كل خلق حيث قال يجاب |
__________________
(١) اللمّة : الشعر الذي يتجاوز شحمة الأذن.
(٢) في ب : «فسقّى ربا غرب».
(٣) العباب : كثرة الماء ، كثرة السيل. ارتفاع الموج واضطرابه.