سعيد بن أحمد المقري رضي الله تعالى عنه قال لي حين سألته عن هذا التوارد : لعل تسمية ابن الأزرق «شفاء العليل» بالعين ، قلت : يبعد ذلك أن جماعة من تلامذته الأكابر كالوادي آشي وغيره كتبوه بخطوطهم بالغين المعجمة ، فبان أنه من توارد الخواطر ، وأن كلا منهما لم يقف على تسمية الآخر ، والله تعالى أعلم ، وقد رأيت جملة من هذا الشرح بتلمسان وذلك نحو ثلاث مجلدات ، ولا أدري هل أكمله أم لا ، لأن تقديره بحسب ما رأيت يكون عشرين مجلدا ، إذ المجلد الأول ما أتم مسائل الصلاة ، ورأيت الخطبة وحدها في أكثر من كراسة أبان فيها عن علوم ، ولم أر في شروح خليل مع كثرتها مثله ، ودخل تلمسان لما استولى العدو على بلاد الأندلس ، ثم ارتحل إلى المشرق ، فدخل مصر ، واستنهض عزائم السلطان قايتباي لاسترجاع الأندلس ، فكان كمن يطلب بيض الأنوق ، أو الأبيض العقوق (١) ، ثم حج ورجع إلى مصر فجدّد الكلام في غرضه ، فدافعوه عن مصر بقضاء القضاة في بيت المقدس ، فتولاه بنزاهة وصيانة وطهارة ، ولم تطل مدته هنالك حتى توفي به بعد سنة خمس وتسعين وثمانمائة ، حسبما ذكره صاحب «الأنس الجليل ، في تاريخ القدس والخليل» فليراجع فإنه طال عهدي به.
ومن بارع نظمه رحمه الله تعالى قوله في المجبّنات : [بحر مخلع البسيط]
ورب محبوبة تبدت |
|
كأنها الشمس في حلاها |
فأعجب لحال الأنام من قد |
|
أحبها منهم قلاها (٢) |
ومنه قوله رحمه الله تعالى : [بحر السريع]
عذري في هذا الدخان الذي |
|
جاور داري واضح في البيان (٣) |
قد قلتم إن بها زخرفا |
|
ولا يلي الزخرف إلا الدخان (٤) |
وقوله : [بحر الطويل]
تأملت من حسن الربيع نضارة |
|
وقد غرّدت فوق الغصون البلابل |
__________________
(١) أخذ هذا المعنى من قول الشاعر :
طلب الأبيض العقوق فلما |
|
لم يجده أراد بيض الأنوق |
(٢) قلاها : وضعها في الزيت المغلي وقلاها.
(٣) كذا في أ ، ب ، وفي ه : «عذري عن هذا الدخان».
(٤) الزخرف ، والدخان : سورتان في القرآن الكريم ، وقد جاءت الدخان بعد الزخرف في ترتيب المصحف الشريف.