والإجلال الملائم ، فقد خالف ابن عباس عمر وعليا وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم ، وكان قد أخذ عنهم ، وخالف كثير من التابعين بعض الصحابة ، وإنما أخذوا العلم عنهم ، وخالف مالك كثيرا من أشياخه ، وخالف الشافعي وابن القاسم وأشهب مالكا في كثير من المسائل ، وكان مالك أكبر أساتيذ (١) الشافعي ، وقال : لا أحد أمنّ عليّ من مالك ، وكاد كل من أخذ العلم أن يخالفه بعض تلامذته في عدة مسائل ، ولم يزل ذلك دأب التلاميذ مع الأساتيذ إلى زماننا هذا ، وقال : وشاهدنا ذلك في أشياخنا مع أشياخهم رحمهم الله تعالى! قال : ولا ينبغي للشيخ أن يتبرّم (٢) من هذه المخالفة إذا كانت على الوجه الذي وصفناه ، والله تعالى أعلم ، انتهى.
ولما أنشد ابن الأزرق المذكور في كتابه «روضة الأعلام» قول القائل في مدح ابن عصفور : [الرمل]
نقل النحو إلينا الدّؤلي |
|
عن أمير المؤمنين البطل (٣) |
بدأ النحو عليّ وكذا |
|
ختم النحو ابن عصفور علي |
قال بعده ما نصه : على أن صاحبنا الكاتب الأديب الأبرع أبا عبد الله محمد بن الأزرق الوادي آشي رحمه الله تعالى قد قال فيما يدافع ابن عصفور عما اقتضاه هذا المدح له بتفضيل الأستاذ المحقق أبي الحسن بن (٤) الضائع عليه ، ولقد أبدع في ذلك ما شاء لما تضمن من التورية : [بحر الطويل]
بضائعك ابن الضائع النّدب قد أتت |
|
بحظ من التحقيق والعلم موفور |
فطرت عقابا كاسرا أو ما ترى |
|
مطارك قد أعيا جناح ابن عصفور |
انتهى.
وقد نقل عن ابن الأزرق صاحب المعيار في جامعه ، وأثنى عليه غير واحد ، ومن أعظم تآليفه شرحه الحافل على مختصر خليل المسمى «بشفاء الغليل ، في شرح مختصر خليل» وقد توارد معه الشيخ ابن غازي على هذه التسمية ، وكان مولانا العم الإمام شيخ الإسلام سيدي
__________________
(١) أساتيذ أحد جموع أستاذ.
(٢) تبرم : ضجر.
(٣) الدؤلي : هو أبو الأسود الدؤلي. وأمير المؤمنين هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٤) في ب : «أبي الحسن ابن الضائع».