وأصبح الناس منتظرين لقتل الأسارى ، فإذا بهم قد طلع عليهم لواء فيه موكب ، فنظروا فإذا أبو الخطار قد أقبل واليا على الأندلس ، وهو أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي. وذكر ابن حيان أنه قدم واليا من قبل حنظلة بن صفوان صاحب إفريقية ، والخليفة حينئذ الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان ، وذلك في رجب سنة خمس وعشرين ومائة ، بعد عشرة أشهر وليها ثعلبة بن سلامة ، قال : وكان مع فروسيته شاعرا محسنا ، وكان في أوّل ولايته قد أظهر العدل فدانت له الأندلس ، إلى أن مالت به العصبية اليمانية على المضرية ، فهاج الفتنة العمياء ، وكان سبب هذه الفتنة أن أبا الخطّار بلغ به التعصّب لليمانية أن اختصم عنده رجل من قومه مع خصم له من كنانة كان أبلج (١) حجّة من ابن عم أبي الخطار ، فمال أبو الخطار مع ابن عمّه ، فأقبل الكناني إلى الصّميل بن حاتم الكلابي أحد سادات مضر ، فشكا له حيف أبي الخطار (٢) ، وكان أبيّا للضيم ، حاميا للعشيرة ، فدخل على أبي الخطار ، وأمضّ عتابه (٣) ، فنجهه (٤) أبو الخطار ، وأغلظ له ، فردّ الصميل عليه ، فأمر به أبو الخطار ، فأقيم ودعّ قفاه (٥) حتى مالت عمامته ، فلمّا خرج قال له بعض من على الباب : أبا جوشن ، ما بال عمامتك مائلة؟ فقال : إن كان لي قوم فسيقيمونها. وأقبل إلى داره ، فاجتمع إليه قومه حين بلغهم ذلك ممتعضين ، فباتوا عنده ، فلمّا أظلم الليل قال : ما رأيكم فيما حدث عليّ فإنه منوط بكم؟ فقالوا : أخبرنا بما تريد ، فإنّ رأينا تبع رأيك ، فقال : أريد والله إخراج هذا الأعرابي من هذا السلطان على ما خيّلت ، وأنا خارج لذلك عن قرطبة ، فإنه ما يمكنني ما أريد إلّا بالخروج ، فإلى أين ترون أقصد؟ فقالوا : اذهب حيث شئت ، ولا تأت أبا عطاء القيسي ، فإنه لا يواليك على أمر ينفعك ، وكان أبو عطاء هذا سيّدا مطاعا يسكن بأستجة ، وكان مشاحنا للصّميل ، مساميا له في القدر ، فسكت عند ذكره أبو بكر بن الطفيل العبدي ، وكان من أشرافهم ، إلّا أنه كان حدث (٦) السنّ ، فقال له الصميل : ألا تتكلم؟ قال : أتكلّم بواحدة ما عندي غيرها ، قال : وما هي؟ قال : إن عدوت (٧) إتيان أبي عطاء وشتتّ أمرك به لم يتمّ أمرنا وهلكنا ، وإن أنت قصدته لم ينظر في شيء ممّا سلف بينكما ، وحركته الحمية لك ، فأجابك إلى ما تريد ، فقال له الصميل : أصبت الرأي ، وخرج من ليلته ، وقام أبو عطاء في نصرته على ما قدّره العبدي ، وعمد إلى ثوابة بن يزيد الجذامي أحد أشراف اليمن وساداتهم ، وكان ساكنا بمورور وقد استفسد إليه أبو الخطار ،
__________________
(١) أبلج حجة : أظهر وأبين وأقوى.
(٢) الحيف : الظلم ، وانتقاص الحق.
(٣) أمضّ عتابه : اشتد فيه وآلم.
(٤) نجهه : رده ردا قبيحا.
(٥) دعّ قفاه : ضربه.
(٦) في ب : حديث السن.
(٧) عدوت : جاوزت.