اللّحمة وبقي السّدى ، وقد حشيتا بالليف ، وكرسيّان قد تفكّكا من قدمهما ، ثم اطلعت علينا عجفاء كلفاء ، عليها قرقل هرويّ أصفر غسيل ، وكأنّ وركيها في خيط من وسخها ، فقلت لأبي السائب : بأبي أنت! ما هذه فقال : اسكت ، فتناولت عودا فغنّت (١) : [بحر الكامل]
بيد الذي شغف الفؤاد بكم |
|
تفريج ما ألقى من الهمّ (٢) |
فاستيقني أن قد كلفت بكم |
|
ثم افعلي ما شئت عن علم |
قد كان صرم في الممات لنا |
|
فعجلت قبل الموت بالصرم |
قال : فتحسّنت في عيني ، وبدا ما أذهب الكلف عنها ، وزحف أبو السائب وزحفت معه ، ثم تغنّت : [بحر الكامل]
برح الخفاء فأيّما بك تكتم |
|
ولسوف يظهر ما تسرّ فيعلم |
ممّا تضمّن من عزيز قلبه |
|
يا قلب إنك بالحسان لمغرم |
يا ليت أنّك يا حسام بأرضنا |
|
تلقي المراسي طائعا وتخيّم |
فتذوق لذة عيشنا ونعيمه |
|
ونكون إخوانا فماذا تنقم |
فقال أبو السائب : إن يقم هذا فأعضّه الله تعالى بكذا وكذا من أبيه ، ولا يكني ، فزحفت مع أبي السائب حتى فارقنا النمرقتين ، وربت العجفاء في عيني كما يربو السويق بماء مزنة ، ثم غنّت : [بحر المنسرح]
يا طول ليلي أعالج السّقما |
|
إذ أدخل كلّ الأحبّة الحرما (٣) |
ما كنت أخشى فراقكم أبدا |
|
فاليوم أمسى فراقكم عزما |
فألقيت طيلساني ، وأخذت شاذكونة (٤) فوضعتها على رأسي ، وصحت كما يصاح على اللوبيا بالمدينة ، وقام أبو السائب فتناول ربعة في البيت فيها قوارير ودهن ، فوضعها على رأسه ، وصاح صاحب الجارية وكان ألثغ : قوانيني ، يعني قواريري ، فاصطكّت القوارير وتكسّرت ، وسال الدهن على رأس أبي السائب وصدره ، وقال للعجفاء : لقد هجت لي داء قديما ، ثم
__________________
(١) الشعر لأبي صخر الهذلي. انظر الأغاني ج ٢٣ ص ٢٨٢.
(٢) في أ«بيد الذي شعف» ، بالعين المهملة ، وكلاهما صحيح.
(٣) أعالج السقما : أداوي المرض.
(٤) الشاذكونة : المضربة الكبيرة.