وجدا بها وصبا (١) ، فاستخفه الإعجاب طربا ، وشاهد صدوره فقال : هكذا تكون الرياش ، وعاين لطفه فقال : هكذا تكون الصبا ، وقبّل كل حرف منه ووضعه على الراس ، وحصل له بعد ترقبه غاية المجاورة (٢) والاستئناس ، فعند ذلك أنشد قول بعض الناس : [بحر الكامل]
ورد الكتاب فكان عند وروده |
|
عيدا ، ولكن هيّج الأشواقا |
ألفاته قد عانقت صاداته |
|
كعناق مشتاق يخاف فراقا |
فكأنما النونات فيه أهلة |
|
وكأنما صاداته أحداقا |
فعسى الإله كما قضى بفراقنا |
|
يقضي لنا يوما بأن نتلاقى |
فجعلته نصب عيني أتسلى به عند استيلاء الشوق على قلبي ، وأطفىء بتأمّله نيران وجدي إذا التهبت في صدري ، وسررت به سرور من وجد ضالة عمره ، وأدرك جميع أمانيه من دهره ، وأنست بتصحفه أنس الرياض بانهلال القطر ، والساري بطلوع البدر ، والمسافر بتعريسة (٣) الفجر ، وكيف لا وقد أصبح في وجه الأماني خدّا ، بل في خدّها وردا ، وصار حسنة من حسنات دهري ، لا يمحو مرور الأيام موضعها من صدري ، وطلعت طوالع السرور وكانت آفلة ، واهتزت غصون الفرح وكانت ذابلة ، لا سيما لا تضمن من البشارة السارة بصحة المولى وسلامته ، وحلوله في منازل عزه وكرامته ، وموعده الكريم بعوده إلى دمشق الشام ، كساها ثوب الفخام (٤) مرة ثانية ، ويتم افتخارها على غيرها فلا تزال مفاخرة مباهية ، نسأل الله تعالى أن يحقق ذلك ، وأن يسلك بسيدي أحسن المسالك ، إنه سبحانه وتعالى سامع الأصوات ، ومجيب الدعوات ، فإن عودكم يا سيدي والله مرة أخرى هو الحياة الشهية ، والأمنية التي ترتجي النفس بلوغها قبل المنية ، وما أنا من الله بآيس من أن يتيح سببا ، يعيد المزار مقتربا ، والشمل مجتمعا ، وحبل البين منقطعا ، ثم ليعرض على مسامع سيدي الكريمة ، لا زالت من كل سوء سليمة ، أنا أوصلنا مكاتيبكم كما أمرتم لأربابها ، لا سيما مكتوب شيخ الإسلام سيدي عبد الرحمن أفندي المفتي بالشام ، ومكتوب المولى الأعظم ، والهمام الأفخم ، أحمد أفندي الشاهيني ، أعزه الله تعالى! فإنه وقع عنده الموقع العظيم ، وحصل له به السرور المقيم ، كما يدل على ذلك جوابه الكريم ، المحفوف بالتعظيم والتكريم ، غير أنه قد ساءنا ما اتصل بمولانا من نفوذ قضاء الله تعالى الذي
__________________
(١) صبا : عشق ، مال ، عطف. وفي ب : وجدا بها صبا.
(٢) في بعض النسخ : المجابرة.
(٣) في ب ، ه : «بتعريس الفجر».
(٤) في ب ، ه : «سقاها صوب الغمام».