يعم ، في البنت والأم ، فجعل الله تعالى في عمر سيدي البركة! وكان له في السكون والحركة! وما ذا عسى أن يذكر لجنابكم في أمر التعزية ويقرر ، ومنكم يستفاد مثله وعنكم يحرّر (١) ، والأستاذ أدرى بصروف الدهر وتفننها ، وأحوال الزمان وتلوّنها ، وأعرف بأن الدنيا دار لها بسكانها مدار ، وأن الحياة ثوب مستعار ، ونعيم الدنيا وبؤسها ما لواحد منهما فيها قرار ، وأن لكل طالع أفولا ، ولكل ناضر ذبولا ، ووراء كل ضياء ظلاما ، ولكل عروة من عرا الدنيا انفصاما ، فهو محلّ لأن يقوي في العزاء عزائمه ، ويصغر في عينه نوائب الدهر وعظائمه ، ويغنيه عن عظة تجد له مقالا ، وتحلّ عن عقله عقالا ، وهو يتلقى المصائب ، بفكر ثاقب ، وفهم صائب ، وصبر يقصر عنه الطّود الأشم (٢) ، وعزم ينفلق دونه الصخر الأصم ، وحلم يرجح إذا طاشت الأحلام ، وقدم تثبت إذا زلّت الأقدام ، ومدّ المقال في ضرب الأمثال ، إلى جنابكم الشريف نوع من تجاوز حدّ الإجلال ، وأنا أسأل الله تعالى أن يجعل هذه المصيبة خاتمة ، ولا يريه بعدها إلا دولة ونعمة دائمة ، وأن يحرسه من غير الليل والنهار (٣) ، ويجعله وارث الأعمار بجاه نبينا محمد المختار ، صلى الله عليه وسلم على آله وصحبه الأطهار ، بمنه وكرمه. ثم أبلغ سيدي ـ أطال الله عمره ، وشرح صدره ، ونشر بالخير ذكره! ـ السلام التام ، المقرون بألف تحية وإكرام ، من أهل البلدة جميعا ، لا سيما من مفتيها العمادي ، حرس الله ذاته التي هي منهل للصادي والغادي ، وأولاده الكرام ، المستحقين للإعزاز والإكرام ، ومن كبيرها ، ومدبّرها ومشيرها ، أحمد أفندي الشاهيني ، أعزه الله تعالى بعزه ، وجعله تحت كنفه وحرزه! ومن خطيبها مولانا الشيخ أحمد البهنسي ، ونقيب أشرافها مولانا السيد كمال الدين ، وجميع المحبين الداعين لذلكم الجناب ، والمتمسكين بتراب تلكم الأعتاب ، ومن الوالد والعم ، والله يا سيدي إنه ناشر لواء الثناء والمحامد ، وداع لذلك الجناب الكاسب للمفاخر والمحامل ، وحضرة شيخنا شيخ الإسلام ، وبركة الشام ، مولانا وسيدنا الشيخ عمر القاري ، أبقى الله تعالى وجوده! وضاعف علينا إحسانه وجوده! وأولاده يسلمون عليكم السلام الوافر ، وينهون لكم الشوق المتكاثر ، وحرّر في ٢ جمادى الثانية سنة ١٠٣٨ ، المحب الداعي يحيى المحاسني ، انتهى.
وكتب إليّ عمّه الفاضل الأسمى ما صورته : باسمه سبحانه وتعالى : [بحر الطويل]
وإني لمشتاق إلى وجهك الذي |
|
تهلّله أهدى السناء إلى البدر (٤) |
__________________
(١) في ه : «ومنكم يستفاد مثله ويحرر».
(٢) الطود : الجبل ، والأشم : الشديد الارتفاع.
(٣) غير الليل والنهار : أحداثها المتغيرة.
(٤) تهلله : طلاقته وبشره. والسناء : هنا النور والضياء. وأصله مقصور.