ارتبطت في الحق وللحق معاقدها (١) ، وأسست على المحبة في الله قواعدها ، أن يزيد عقدها على مر الأيام شدة ، وعهدها وإن شط المزار جدّة ، وأن تدّخر للأخرى عدّة ، وإني ويعلم الله تعالى لممن يعتقد محبتكم وموالاتكم عملا صالحا يقرّب من الله تعالى ويزلف إليه (٢) ، ويعتمدهما وزرا (٣) يعوّل في الآخرة يوم لا ظل إلا ظله عليه ، فإنكم واليتم فأخلصتم في الولاء ، وعرفتم الله تعالى فقمتم بحقوق الصحبة على الولاء ، معرضين في تلكم الأخوّة عن عرض الدنيا وعرضها ، موفين بشروط نفلها ومفترضها (٤) ، إلى أن قضى الله تعالى بإفتراقنا ، وحقوقكم المتأكدة دين علينا ، والأيام تمطل بقضائها عنا ، وتوجه الملام إلينا ، فآونة أقف فأقرع السنّ على التقصير ندما ، وآونة أستنيم إلى فضلكم ، فأتقدم قدما ، وفي أثناء هذا لا يخطر بالبال حق لكم سابق ، إلا وقد كر عليه منكم آخر له لاحق ، حتى وقفت موقف العجز ، وضاقت على العبارة عن حقيقة مقامكم في النفس فكدت لا أتكلم إلا بالرمز ، إجلالا لحقكم الرفيع ، وإشفاقا من التقصير المضيع ، وقد كنت كتبت ـ أعزكم الله تعالى! ـ إليكم قبل هذا بكتب أربعة أو خمسة فيها عجالة قصائد كالعصائد (٥) ، لا كالثريد (٦) من الكلام ككلامكم السلس الكثير الفوائد ، فعذرا ممن كان أخرس من سمكة ، وأشد تخبطا من طائر في شبكة ، فما عرفت أوصل شيء من ذلك ، أم حصل في أيدي المعاطب والمهالك؟ وما رأيت غير رجل من صعاليك الحجاج التقيت به يوما بالحضرة المراكشية فقال لي : الشيخ الإمام المقري يسأل عنك ، وقد أرسل معي كتابا إليك فوقع في البحر مع جملة ما وقع ، فقلت له : لا غرابة في ذلك فقد رجع إلى أصله ، ومن ظلمة البحار تستخرج الدرر ، وقد جاءني كتاب من بعض الأخلاء الصديقين وهو الحاج الصالح السيد أبو بكر من مكة المكرمة شرفها الله تعالى ، وذكر لي فيه أنه متعه الله تعالى بلقائكم ، وأخبرني بسؤالكم عني كثيرا ، وإلى الآن يا نعم السيد إنما عرفته بما كتبته لسيادتكم تعريف تذكر لا تعريف منة ، فأنصفونا في الحكم عليكم في عدم الجواب بما ألفته الأدباء شريعة وسنة ، وبالجملة ففؤادي لمجدكم صحيح لا سقيم ، واعتدادي بودكم منتج غير عقيم ، والله تعالى يجعل الحب في ذاته الكريمة ، ويقضي عن الأحبة دين المحبة ، فيوفي كل غريم غريمه ، ويصلكم إن شاء الله تعالى هذا المرقوم ، وبه سؤال منظوم ، لتتفضلوا بالجواب عنه بعد حمد الله ، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم. [بحر الطويل]
__________________
(١) في ب ، ه : «معاهدها».
(٢) أزلف إليه : قرّب إليه.
(٣) الوزر : الملجأ.
(٤) في ه : «بشروطها نفلها ومفترضها».
(٥) العصائد : جمع عصيدة : طحين يلتّ بالسّمن ويطبخ.
(٦) في ب : «كالعصائد ، كالثريد».