العقول من سماع أشهب من كتاب الصلاة : إنه لا بأس بذلك إذا كان أوله لله (أي القصد الأول من العمل لله). وقال ابن رشد في موضع آخر من «شرحه» قال الله تعالى : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) [طه : ٣٩] ، وقال : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء : ٨٤]. وقال الشاطبي في «الموافقات» : «عد مالك ذلك من قبيل الوسوسة ، أي أن الشيطان باقي للإنسان إذا سرّه مرأى الناس له على الخير فيقول لك: إنك لمراء. وليس كذلك وإنما هو أمر يقع في قلبه لا يملك» اه.
وفي «المعيار» عن كتاب «سراج المريدين» لأبي بكر بن العربي قال : سألت شيخنا أبا منصور الشيرازي الصوفي عن قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا) [البقرة : ١٦٠] ما بيّنوا؟ قال : أظهروا أفعالهم للناس بالصلاح والطاعات.
قال الشاطبي : وهذا الموضع محل اختلاف إذا كان القصد المذكور تابعا لقصد العبادة. وقد التزم الغزالي فيها وفي أشباهها أنها خارجة عن الإخلاص لكن بشرط أن يصير العمل أخفّ عليه بسبب هذه الأغراض. وأما ابن العربي فذهب إلى خلاف ذلك وكأنّ مجال النظر يلتفت إلى انفكاك القصدين ، على أن القول بصحة الانفكاك فيما يصح فيه الانفكاك أوجه لما جاء من الأدلة على ذلك ، إلى آخره.
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ أَزْواجِنا) للابتداء ، أي اجعل لنا قرّة أعين تنشأ من أزواجنا وذرّياتنا.
وقرأ الجمهور : (وَذُرِّيَّاتِنا) جمع ذرية ، والجمع مراعى فيه التوزيع على الطوائف من الذين يدعون بذلك ، وإلا فقد يكون لأحد الداعين ولد واحد. وقرأه أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وخلف و (ذُرِّيَّتِنا) بدون ألف بعد التحتية ، ويستفاد معنى الجمع من الإضافة إلى ضمير (الَّذِينَ يَقُولُونَ) ، أي ذرية كل واحد.
والأعين : هي أعين الداعين ، أي قرة أعين لنا. وإذ قد كان الدعاء صادرا منهم جميعا اقتضى ذلك أنهم يريدون قرة أعين جميعهم.
وكما سألوا التوفيق والخير لأزواجهم وذرّياتهم سألوا لأنفسهم بعد أن وفقهم الله إلى الإيمان أن يجعلهم قدوة يقتدي بهم المتّقون. وهذا يقتضي أنهم يسألون لأنفسهم بلوغ الدرجات العظيمة من التقوى فإن القدوة يجب أن يكون بالغا أقصى غاية العمل الذي يرغب المهتمّون به الكمال فيه. وهذا يقتضي أيضا أنهم يسألون أن يكونوا دعاة للدخول