ومعنى (ما يَعْبَؤُا) : ما يبالي وما يهتمّ ، وهو مضارع عبأ مثل : ملأ يملأ مشتقّ من العبء بكسر العين وهو الحمل بكسر الحاء وسكون الميم ، أي الشيء الثقيل الذي يحمل على البعير ولذلك يطلق العبء على العدل بكسر فسكون ، ثم تشعبت عن هذا إطلاقات كثيرة. فأصل (ما يَعْبَؤُا) : ما يحمل عبئا ، تمثيلا بحالة المتعب من الشيء ، فصار المقصود : ما يهتمّ وما يكترث ، وهو كناية عن قلة العناية.
والباء فيه للسببية ، أي بسببكم وهو على حذف مضاف يدل عليه مقام الكلام. فالتقدير هنا : ما يعبأ بخطابكم.
والدعاء : الدعوة إلى شيء ، وهو هنا مضاف إلى مفعوله ، والفاعل يدل عليه (رَبِّي) أي لو لا دعاؤه إياكم ، أي لو لا أنه يدعوكم. وحذف متعلق الدعاء لظهوره من قوله : (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) ، أي الداعي وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، فتعين أن الدعاء الدعوة إلى الإسلام. والمعنى : أن الله لا يلحقه من ذلك انتفاع ولا اعتزاز بكم. وهذا كقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) [الذاريات : ٥٦ ، ٥٧].
وضمير الخطاب في قوله : (دُعاؤُكُمْ) موجّه إلى المشركين بدليل تفريع (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) عليه وهو تهديد لهم ، أي فقد كذبتم الداعي وهو الرسول عليه الصلاة والسلام. وهذا التفسير هو الذي يقتضيه المعنى ، ويؤيده قول مجاهد والكلبي والفراء. وقد فسر بعض المفسرين الدعاء بالعبادة فجعلوا الخطاب موجها إلى المسلمين فترتب على ذلك التفسير تكلفات وقد أغنى عن التعرض إليها اعتماد المعنى الصحيح فمن شاء فلينظرها بتأمل ليعلم أنها لا داعي إليها.
وتفريع (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) على قوله : (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) ، والتقدير : فقد دعاكم إلى الإسلام فكذبتم الذي دعاكم على لسانه.
والضمير في (يَكُونُ) عائد إلى التكذيب المأخوذ من (كَذَّبْتُمْ) ، أي سوف يكون تكذيبهم لزاما لكم ، أي لازما لكم لا انفكاك لكم منه. وهذا تهديد بعواقب التكذيب تهديدا مهولا بما فيه من الإبهام كما تقول للجاني : قد فعلت كذا فسوف تتحمل ما فعلت. ودخل في هذا الوعيد ما يحلّ بهم في الدنيا من قتل وأسر وهزيمة وما يحل بهم في الآخرة من العذاب.
واللّزام : مصدر لازم ، وقد صيغ على زنة المفاعلة لإفادة اللزوم ، أي عدم المفارقة ،