والباخع : القاتل. وحقيقة البخع إعماق الذبح. يقال : بخع الشاة ، قال الزمخشري : إذا بلغ بالسكين البخاع بالموحدة المكسورة وهو عرق مستبطن الفقار ، كذا قال في «الكشاف» هنا وذكره أيضا في «الفائق». وقد تقدم ما فيه عند قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) في سورة الكهف [٦]. وهو هنا مستعار للموت السريع ، والإخبار عنه ب (باخِعٌ) تشبيه بليغ. وفي (باخِعٌ) ضمير المخاطب هو الفاعل.
و (أَلَّا يَكُونُوا) في موضع نصب على نزع الخافض بعد (أن) والخافض لام التعليل ، والتقدير : لأن لا يكونوا مؤمنين ، أي لانتفاء إيمانهم في المستقبل ، لأنّ (أن) تخلص المضارع للاستقبال. والمعنى : أنّ غمك من عدم إيمانهم فيما مضى يوشك أن يوقعك في الهلاك في المستقبل بتكرر الغم والحزن ، كقول إخوة يوسف لأبيهم لما قال (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) [يوسف : ٨٤] فقالوا : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) [يوسف : ٨٥] ؛ فوزان هذا المعنى وزان معنى قوله في سورة الكهف [٦] (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) ، فإن (إن) الشرطية تتعلق بالمستقبل. ويجوز أن يجعل (أَلَّا يَكُونُوا) في موضع الفاعل ل (باخِعٌ) والجملة خبر (لعلّ). وإسناد (باخِعٌ) إلى (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) مجاز عقلي لأن عدم إيمانهم جعل سببا للبخع.
وجيء بمضارع الكون للإشارة إلى أنه لا يأسف على عدم إيمانهم ولو استمر ذلك في المستقبل فيكون انتفاؤه فيما مضى أولى بأن لا يؤسف له.
وحذف متعلق (مُؤْمِنِينَ) ؛ إما لأن المراد مؤمنين بما جئت به من التوحيد والبعث وتصديق القرآن وتصديق الرسول ، وإما لأنه أريد بمؤمنين المعنى اللّقبي ، أي أن لا يكونوا في عداد الفريق المعروف بالمؤمنين وهم أمة الإسلام. وضمير (أَلَّا يَكُونُوا) عائد إلى معلوم من المقام وهم المشركون الذين دعاهم النبي صلىاللهعليهوسلم.
وعدل عن : أن لا يؤمنوا ، إلى (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) لأن في فعل الكون دلالة على الاستمرار زيادة على ما أفادته صيغة المضارع ، فتأكّد استمرار عدم إيمانهم الذي هو مورد الإقلاع عن الحزن له. وقد جاء في سورة الكهف [٦] (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ) بحرف نفي الماضي وهو (لم) لأن سورة الكهف متأخرة النزول عن سورة الشعراء فعدم إيمانهم قد تقرر حينئذ وبلغ حدّ المأيوس منه.
وضمير (يَكُونُوا) عائد إلى معلوم من مقام التحدّي الحاصل بقوله : (طسم تِلْكَ